السبت، 21 نوفمبر 2009

الأسئله والأجوبه 28

الاسم د. بشار خليف البلد سوريا

البريد الإلكتروني khleif200@hotmail.com التاريخ 02/09/2009
السيد الدكتور بشار خليف المحترم – سوريا
بما أن الترتيب النهائي للآيات في السور هو الترتيب الحالي، فأرى اعتماد الترتيب الموجود حالياً وهذا ما أفعله في دراساتي. ولم أصادف أية مشاكل حتى الآن.


الاسم فهد عبدالعزيز البلد السعودية
أسال الله تعالى ان يجزيك الخير والمثوبه على جهدك القيم ونفع الله بك ووفقك في الدنيا والاخرة ,,, ولك كل الشكر لتوضيح نقاط كثيرة تعتبر اساس لديننا العظيم وصحيح للمفاهيم الخاطئة على مر القرون ,,
يا دكتور محمد وفقك الله المقطع في مقابلتك مع الاستاذ عماد الدين اديب على الموقع فيها مشاكل كثيره في العرض وتوقف متكرر حجب كثير من المعلومات الكثيرة والمفيدة والتي عرضت بتاريخ 2/12/2001
اتمنى اعادة تنزيلها قدر الامكان ولك جزيل الشكر
البريد الإلكتروني - التاريخ 02/09/2009
السيد فهد عبد العزيز – السعودية :
لقد أحلت سؤالك إلى السيد مدير الموقع، وأجاب أنه اطلع على الحلقة كاملة دون أي عيب أو توقف متكرر، وأفاد بأنه يمكن أن يكون من الشبكة لديك أو من الكومبيوتر..


الاسم confused ! البلد england

salam alaikum.
am a young 2o yrs old guy wondering what islam says about the kind of people who have sex deformations or both sex at once ! then they turn themselves either to woman or men wich they call it correcting themselves ! and they also call it a soul in a wrong body.. and they blame it on nature !
nature was made by ALLAH then this people they claim that its a nature mistake.. but obviously god cannot make mistakes..so what do you think about this case doctor ??
and do you think they were born like that for reasons ?
thank you very much and much appreciated..and god bless you
salam alaikum

البريد الإلكتروني h-h@hotmail.co.uk التاريخ 02/09/2009
To : confused ! –Eengland
Our judgment on everything concerned with public actions. Other than public action out of our judgment, so if this phenomenon is genetic allah knows and we believe in allah judgment. This always happens because our universe based on parity, oppositions and contradictions.


الاسم مؤمن حنيف البلد الكويت
قلتم حضرتكم بأن المقصود بالمساكين في التنزيل الحكيم هم المعاقين أو ذوو الإحتياجات الخاصة.
الرجاء التكرم بإرشادنا لمكان تطرقكم لهذا الموضوع في كتبكم و لكم الشكر الجزيل
البريد الإلكتروني - التاريخ 03/09/2009
إلى السيد مؤمن حنيف – الكويت :
المساكين جاءت من فعل (سكن) وهو أصل يدل على الهدوء والسكينة، لذا نقول المسكن والمساكن (وهو الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) أما المساكين فهو مانقول عنهم الآن قليلي الحيلة (الإعاقة). وقد ميز التنزيل الحكيم بينهم وبين الفقراء. فالفقير ليس بالضرورة أن يكون مسكيناً لذا قال (والفقراء والمساكين) ونرى أن عدد الفقراء في العالم أكثر بكثير من عدد المساكين. فالآن يوجد مليار إنسان تحت خط الفقر في العالم، لكن عدد المساكين أقل بكثير. وقد ورد ذكر المساكين في التنزيل الحكيم أكثر من ذكر الفقراء. وقد بيّن الفقه الاسلامي التاريخي المصنوع من قبل الفقهاء بأنه لا إنساني في هذه الناحية حيث أن المساكين طبقة لايمكن أن يخلو منها مجتمع على مر العصور والدهور. والسؤال ماهو موقع (المعاقين) عندهم؟ وكيف يحلو لهم تعريف المسكين بأن من عنده قوت يومه؟ وقد قال تعالى : (ولايحاضون على طعام المسكين.
ويمكن أن تجد شرحاً وافياً في كتابنا (الإسلام والإيمان).


الاسم شاهين البلد الاردن
الدكتور محمد شحرور المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الدكتور قرأت في كتابك الكتاب والقران
الفرق بين المسلم والمؤمن
ان المسلم مطالب بالايمان بالله واليوم الاخر والعمل الصالح
والمؤمن هو المطالب بالايمان بالله وبرسوله والعمل الصالح وبأركان الايمان من صلاة وصيام وزكاة وغيرها
سؤالي هل يستطيع الانسان ان يلتزم بالايمان بالله وبرسوله واليوم الاخير والعمل الصالح دون الالتزام بالتكاليف من صلاة وصيام وغيرها
ثم اني قرأت تقسيم حضرتكم العباده الى مستويات مثل المستوى الاول وهو صلاة الجمعه ثم المستوى الثاني وهو صلاة الجمعه والعصر والمستوى الثالث هو الصلوات الخمس
سؤالي اذا التزم الشخص احد هذه المستويات هل تسقط عنه المستويات الاخرى مثلا رجل يصلي الجمعه فقط ولا يصلي الفرائض الخمس هل هذا يكفي
وما رأيك بالايات التي تتوعد تارك الصلاة ومضيعها
ولك مني خالص الشكر والعرفان
الحمد لله الذي انقذنا بمثلك من شيوخ الخرافات والاجتهادات الى الالتزام بكتاب الله عز وجل
البريد الإلكتروني jol_shaheen@yahoo.com التاريخ 03/09/2009
السيد شاهين – الأردن :
هناك تقوى الإسلام وهي الصراط المستقيم (المحرمات) وهي التي يجب التقيد بها دفعة واحدة وخاصة الوصايا في سورة الأنعام. فالتقيد بها دفعة واحدة (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون).. أما تقوى الإيمان فهي الشعائر وفيها قال تعالى (اتقوا الله مااستطعتم) وقال تعالى (لايكلف الله نفساً إلا وسعها).
وتقوى الإحسان هي عندما تجمع تقوى الإسلام مع تقوى الإيمان فأنت من المحسنين.
ونقول لتارك أي من شعائر الإيمان : نقص إيمانك.. لاأكثر من ذلك ولا أقل من ذلك.


الاسم هشام البلد المغرب
الى السيد الفاضل محمد شحرور
سؤالي عن الاية "ما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا".ارى انك تتعب نفسك كثيرا في شرح الاية لكثير ممن يقدسون الثراث على ان النهي ظرفي و هو تشريع يحده الزمان والمكان لانهم ببساطة مدمنين على لي عنق الايات و اذا ما رجعنا الى ما قبل هذه الاية نراها تتحدث عن الفيء"ما افاء الله على رسوله من اهل القرى الى اخره" تتحدث و تنهى بعض المؤمنين من الاغنياء عن اخذ حصتهم من الفيء و ان يقنعوا مما اتاهم الرسول للسبب السالف الذكر واطال الله في عمرك لانه بفضل منهجك المنطقي لم اعد اكتم ما انزل الله من البينات حتى و لو كلفني دلك المزيد من الاعداء المنافقين و الجبناء و شكرا و اعلم انه اذا جاءتك الحجارة من الخلف فانت في المقدمة.
البريد الإلكتروني cyber.moderne@hotmail.com التاريخ 03/09/2009
إلى السيد هشام – المغرب :
لو كانت أوامر ونواهي الرسول (ص) وحياً لقال (ماجاءكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا) أي أن الرسول في كثير من الأحيان كان يأمر وينهى من عنده...


الاسم يعقوب العبيدي البلد مكه المكرمة
سعادة الدكتور محمد شحرور سلمك الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..تحية طيبه وبعد
سبق لي وان أرسلت لسعادتكم بحثاً حول إثبات نظرية منطق الطير وظاهرة الطير من سنة 2008 ولم تنشر في الصفحة الحرة لديكم بعد !!
وهو أني اثبت من خلال بحثي المرسل لكم ان نظرية الطير المذكورة في الذكر الحكيم هو ليست كم ذكر في كتب الأحاديث المزعومة او الاسرائليات أنه ذلك الحيوان من فصيلة الطيور مثل الهدهد أو غيره من ذو الأجنحة.
وإنما المراد بالطير المذكور : هي الظاهرة الطبيعية الموجودة في الجو كما ذكرت في القران انها مسخرات في الجو في سورة النحل أية 79 (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) وهي متمثلة في الموجات الكهرومغناطيسية ,وتعتبر هذه الظاهرة (الطير) من إحدى القوى الأربعة الموجودة في الطبيعة, وهي مسؤلة عمليا عن كل مظاهر الحياة أليوميه ما عدا الجاذبية.
وهناك اثبات وجزم علمي ان معظم الموجات الموجوده حولنا هي موجات كهرومغناطيسية.
وهي التي تقم بنقل الضوء والموجات اللاسلكية والاشعة من خلال الفضاء أو جو السماء كما ذكرت في الايه.
ولو سألتني عن سبب تسميتها با "الطير"؟..ستكون اجابتي هي لأنها موجات لها قمة وقاع كهيئة الطير.
الان يادكتور محمد سؤالي :
- لو لا ظاهرة الطير (حسب تعريفي) هل تستطيع التحدث مع من تحب عبر الجوال او الهاتف؟
- ولو لا ظاهرة الطير هل تستطيع مشاهدة التلفزيون؟ او مشاهدة البرامج الحياة مباشرة؟
- ولو لا ظاهرة الطير المسخرات في جوا السماء هل استطعت قراءة رسالتي هذه والرد عليها بهذه السرعه والدقة؟!
- ما هو تعريف الطير لديكم حسب ماذكر في الايه 79 سورة النحل ؟
واخيرا يقول تعالى: ولتعلمن نبأه بعد حين. صدق الله العظيم. وتقبل شكري وتحياتي
البريد الإلكتروني geacob@yahoo.com التاريخ 06/09/2009
إلى السيد يعقوب العبيدي – مكة المكرمة :
أعتذر عن عدم اطلاعي على بحثك، وليتك توافينا بنسخة عنه مرة ثانية، حتى نطلع عليه وننشره في صفحة الآراء الحرة ولك تحياتي.


الاسم عبدالله البلد السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذي القدير ,, أود أن أسألك عن مسألة أرهقتني في التأمل فيها, وتكمن في : هل هنالك في كتاب الله ما يجيز للإنسان أن يأخذ منه تأويلا غير الظاهر بأي اعتبار,, و شكراً
البريد الإلكتروني - التاريخ 08/09/2009
إلى السيد عبد اله – السعودية :
لايوجد في التنزيل الحكيم ظاهر وباطن، وإنما هو محكم ومتشابه. والتشابه هو ثبات النص وحركة المحتوى طبقاً للسقف المعرفي للقارئ. ولكن هناك دائماً المسكوت عنه. فمثلاً قوله تعالى حول تعدد محارم النكاح في سورة النساء (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) هذا يعني بالضرورة أن هناك أبناء ليسوا من أصلابنا، وهذا مانطلق عليه التبني، أي أنه بشكل مؤكد يوجد شيء اسمه التبني في التنزيل الحكيم علينا أن نبحث عنه.... وهكذا دواليك. ابحث عن المسكوت عنه وهذا لايعني أبداً ظاهر وباطن.


الاسم ismail البلد morocco

Were all the Muslim Scholars in a state of misguidance until you came. Please explain.

البريد الإلكتروني flaelmcharfi@gmail.com التاريخ 09/09/2009
إلى السيد اسماعيل – المغرب :
المعرفة أسيرة أدواتها ونظمها. وهذه الأدوات والنظم تصنع سقفاً للمعرفة لأي إنسان. وأدوات المعرفة ونظمها عندي تختلف عما استعمله السلف. وهنا يكمن الخلاف. والمشكلة لاعلاقة لها بالتقوى ولا بالذكاء.


الاسم مهداوي عبدالكبير البلد المغرب
السلام عليك ارجو من العلي القدير ان يطيل في عمرك لاتمام هذه الرسالة التي تغير ما بالقلوب(اشد الناس بلاء الانبياء وما على شاكلتهم لانهم اتوا ليغيروا لافكار والمسلمات لذلك لقوا من اقوامهم ما لقوا استاذي شحرورانني متتبع لمسارك الفكري مند1990 اشكرك واسال الله ان يفتح عليك مزيدا من الفهم في كتاب الله
البريد الإلكتروني kibir_mehdaoui@hotmail.fr التاريخ 14/09/2009
إلى السيد مهداوي عبد الكبير – المغرب:
أشكرك على عواطفك النبيلة....


الاسم ابتهاج المر البلد قطر
سيدي الكريم
أكثر ما يثير استفزازي هو عندما ارى رجلا نرفض مصافحة امرأة بحجة انها تفسد الوضوْء. والاستشهاد بالاية الكريمة " واذا لامستم النساء
رجاء التوضيح
البريد الإلكتروني ebtehaj69@hotmail.com التاريخ 14/09/2009
إلى السيد / السيدة ابتهاج المر – قطر :
المشكلة أنهم لايفرقون بين فعل (لمس) وفعل (لامس) فيتصرفون كأن تعالى قال (لمستم النساء) بينما قال (لامستم النساء) وفعل الملامسة مثل فعل قاتلتم أي هو تفاعل بين اثنين بملء الإرادة واللمس فيها ممتد زمنياً. ونرى هذا الفعل في الملامسة في الأفلام السينمائية عندما يلتقي الشخص بحبيبته كيف يلامس يديها وجسمها وهي تبادله ذلك أيضاً، هذه هي الملامسة. ولاعلاقة لذلك بالمصافحة لامن قريب ولا من بعيد، ولكن مشايخنا أبوا إلا أن نعيش في الإصر والأغلال.


الاسم حيدر البلد فرنسا
دكتور محمد اسعد الله اوقاتك
ما هو حكم الخمر في الاسلام
قرأت كثيرا في تراثنا الاسلامي عما يسمى انتباذ - من نبيذ
البريد الإلكتروني - التاريخ 14/09/2009
إلى السيد حيدر – فرنسا :
النبيذ هو كل مشروب كحولي يأتي من نقع الأعناب في الماء مع عزل وتركها أياماً أو أشهر أو سنين، والأعناب هي كل ماهو دائري، فمن الأعناب مثلاً : المشمش والكرز والتوت والتفاح والكمثرى والكرمة والخوخ (البرقوق) وغيرها لذا قال تعالى ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسنا) حتى أن البيرة وهي نبيذ الشعير كما ورد في الحديث (أن أهل اليمن ينتبذون الشعير).
هذا هو النبيذ. أما الخمر فهو عندما يبلغ الإنسان مرحلة السُّكر فهو شارب خمر لذا قال عنه (الخمر والميسر والأنصاب والأزلام) أنها رجس من عمل الشيطان. والرجس هو الاختلاط (CONFUSION) فعندما لايعلم الإنسان مايقول فقد وقع في رجس الخمر وهو السكر. والخمر هو حالة السكر وليس مادة السكر، فقد تكون المادة شراب بالفم أو بالحقن أو بالشم أو بالتدخين. فإذا أدت إلى حالة الاختلاط فهي خمر، وفيها منافع للناس، ومنافعها البارحة واليوم وغداً هي التخدير، فلا يمكن أن يحرم رب العالمين مادة، كل أهل الأرض بدون استثناء، بحاجة إليها. ولاتدخل تحت بند (الضرورات تبيح المحظورات) لذا ذكر صراحة أنها إثم كبير في حال سكر الإنسان بدون حاجة إلى التخدير، وهي منافع للناس عندما يتناولها الإنسان كمخدر للعمليات الجراحية، وحالة التخدير في المشروبات الكحولية هي الوصول إلى حالة السكر تماماً أي فقدان الوعي. لذا وضع الخمر والميسر في المنهيات، ووضع الأنصاب والأزلام في المحرمات.


الاسم صالح الشهري البلد -
دكتورنا الفاضل وصفت بان لايعلم التاويل الا الله والراسخون في العلم في كتابك الكتاب والقران
ولكن الايه تقول بانه لايعلم تاويله الا الله اما الراسخون في العلم يقولون امنا به فوصف الله سبحانه وتعالى بان الراسخون في العلم يؤمنون به
كما هوا في هذه الاية(هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب
لم يشير الى ان الراسخون في العلم يعلمون تاويلة ولكن وصف الراسخون في العلم يؤمنون به فقط
وشكرا دكتورنا الفاضل
البريد الإلكتروني temoon_3000@hotmail.com التاريخ 19/09/2009
إلى السيد صالح الشهري:
قال تعالى عن القرآن أنه هدى للناس (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) فكيف يضع فيه آيات لايفهمها أحد من الناس حتى الراسخون في العلم. فعن أي هداية أصلاً يتحدث. ولكي يريح السادة العلماء الأفاضل أنفسهم من العناء ويمنعوا الناس من التفكير قالوا إن الواو في (والرساخون في العلم) هي استئناف، وحسموا المسألة. أما هي ف (واو العطف) فكواحد فقط يعلم كل تأويل التشابه هو الله سبحانه. أما الراسخون في العلم فهم مجموعة من كل عصر يقومون بالتأويل أحياناً دون أن يعلموا. أولم تقرأ قوله تعالى (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون)
والآيات المتشابهات هي أنباء وهي غيب. فالآن نرى أن الغيبيات تنكشف تباعاً حسب العصور وتقدم الإنسانية، لذا فالتأويل يجرى على يد مجموعة كبيرة من العلماء على مر العصور، علموا ذلك أم لم يعلموا. والتأويل هو إنهاء النبأ الغيبي إلى أمر معروف. لذا يؤمنون به علموا أيضاً أم لم يعلموا لأنهم يؤمنون باكتشافاتهم.


الاسم سيد على البلد Egypt
د/محمد شحرور تحيه طيبه وبعد
ارجو من سيادتكم ان توضح لى من هم (اولياء الله الصالحين)
وشكرا
البريد الإلكتروني Sayed_ali71@hotmail.com التاريخ 19/09/2009
إلى السيد سيد علي – مصر:
أولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون.
والتقوى ثلاثة :
آ – تقوى الإسلام : عدم ارتكاب محرمات كتاب الله وهي (حق تقاته).
ب – تقوى الإيمان : وهي الشعائر وهي (اتقوا الله مااستطعتم).
ج – تقوى الإحسان : وهي الجمع بين تقوى الإسلام وتقوى الإيمان.
ودعك من ألقاب أولياء الله الصالحين وقبور وأضرحة الصالحين، فكل هذا نوع من مضيعة الوقت والعبث.


الاسم عزام بونجوع البلد المغرب
الأستاذ الكبير محمد شحرور
لقد تابعت محاضرتكم التي ألقيتموها بمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد والمنشورة بجريدة حزب الإتحاد الإشتراكي مصحوبة بمقالات نقدية ومباشرة اشتريت كتبكم وأخذت أقرأ محاضراتكم واستجواباتكم حيث اكتشفت إسما كبيرا وعلما غزيرا.وكذلك أعجبت بموقعكم حيث فتحتم عقلكم لقرائكم لمحاورتكم وهذا جميل جدا خضوضا وأنكم تجيبون على أسئلة محبيكم خلافا لكثير من الكتاب الذين لا يجدون الوقت للجواب وفي أحسن الأحوال يعتذرون بعدم الإجابة وأرى أن هذا تصرفا غير أخلاقي ويتنافى مع العرف الثقافي والديني كذلك.لهذا فأنا أشكركم من القلب على تخصيض وقت لإجابة من يسألونكم وأجد متعة وإفادة عندما أتصفح أسئلة القراء وإجاباتكم الممتازة والمفيدة جدا لأنني أشعر أنني أتحاور معكم وقريبا منكم.رجاء إجابتي ولو في كلمات مختصرة على السؤال الأول في انتظارربما أسئلة أخرى تأتي مع قراءة كتبكم...
لماذا هناك ثلاث كتب سماوية عوض واحد حتى لا يقع كل ما نراه من صراع بين أصحاب الديانات الثلاث؟ ولماذا نقول السماوية؟ مع كامل التحية.
البريد الإلكتروني azzam1952@hotmail.fr التاريخ 20/09/2009
إلى السيد عزام بونجوع – المغرب :
الكتب السماوية جاءت كتدرج تاريخي حيث الإنسان انفصل عن المملكة الحيوانية بانتقاله بواسطة نفخة الروح من بشر إلى إنسان. والنبوات والرسالات باختلافها تمثل حلقات في تطور الإنسان وهي تشكل مرحلة الرسالات حتى بلغت الإنسانية نضجها بالرسالة المحمدية حيث انتقلت من المشخص إلى المجرد. فنرى مثلاً في شريعة موسى 613 بنداً تشريعياً. أما الأحكام في الشريعة المحمدية وهي حدودية لاتتجاوز المئة.
ونحن الآن نعيش عصر مابعد الرسالات، أي أننا نحن الآن نختلف عن أقوام موسى وعيسى وحتى محمد (ص).


الاسم عاصم الشرعبي البلد اليمن
سيدي الفاضل الدكتور /محمد شحرور
سيدي كل الشكر وتقدير لكم
وبعد
ما هي ليلة القدر وما هو الاجر فيها
فني اسمع في المنابر ان هذه الليله يغفر كل ذنب
هل تغفر الذنوب من قام في ليلة القدر
وهي ليله واحده في السنه في شهر رمضان ومحدده
البريد الإلكتروني asam_hdad.yahoo.com التاريخ 21/09/2009
إلى السيد عاصم الشرعبي – اليمن:
والله ياأخي لاأدري في أي يوم هي في رمضان، ولكني أوردت في كتابي الأول (الكتاب والقرآن) تأويلاً كاملاً لسورة القدر، فيمكنك الاطلاع عليه.


الاسم عبد الملك البلد -
السلام عليكم
اخي الدكتور محمد شحرور المحترم
تقول ان المحرمات في القران الكريم 13 فقط
خذ على سبيل المثال الميسر والخمر
يقول الله تعالى {يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما
يقول تعالى ان الخمر والميسر فيهما اثم كبير
ثم انظر الى هذه الاية الكريمة يصف الله تعالى ان من يشرك به فانه افترى اثما عظيما
{ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما }
وانظر ايضا في الاية الكريمة التالية تجد ان الفواحش وهي ضمن المحرمات ال 13 التي حددتها مقرونة بكبائر الاثم
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى
فما هو الاثم العظيم ؟ وماهو الاثم الكبير ؟ وما تفسيرك لهذه الايات ؟ وما تفسيرك بأن الفواحش مقرونة مع كبائر الاثم
شكرا لك اخي الدكتور وجزاك الله خيرا
البريد الإلكتروني - التاريخ 21/09/2009
إلى السيد عبد الملك
لقد أجبت على سؤالك لأحد السادة القراء عن الخمر والميسر فانظره في مكانه،
أما الإثم فهو نوعان: فهناك (إثم بحق) و (إثم بغير حق) وذلك في قوله تعالى (والإثم والبغي بغير الحق). والخمر هو السُّكر بغض النظر عن الطريقة، بالفم أو الأنف أو التدخين أو الحقن. ومنافع الناس فيها هي التخدير، فمن أخذها بهي إثم بحق، ومن سكر بدون هدف التخدير للعمليات الجراحية أو تسكين الألم، فهي إثم بغير حق.
وكذلك الشرك فهو إثم بغير حق.
أما قولك بأن الفواحش تعد من كبائر الإثم فهذا غير صحيح. قال تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) فهنا فصل الفواحش عن الإثم، والكبائر هي كل المحرمات فقط.


الاسم نزار إبنعوف البلد السودان
السلام عليكم ورحمة الله وكل عام وأنت بخير
زاد إعجابى بك وإقتناعي بأفكارك وأنا أدرس بحثك الإسلام والإيمان أين نعبد الله؟
سمعت أحد المفكرين هنا يفسر نهاية الآية (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، وما الحياة الدنيا إلى متاع الغرور) بأن كلمة الغرور تعني القطعة أو الخرقة التي يزال بها أو يمسح بها دم الحيض وبذلك يريد القول بأن الحياة الدنيا لا تسوى شئ ولدفع الناس إلى الزهد فيها والإعراض عنها
أريد أن اسمع رأيك ثانية وهل متاع الغرور في اللغة العربية هي تعني ما قاله ذلك المفكر
ولك مني كل الإحترام والتقدير
البريد الإلكتروني ebnaouf70@gmail.com التاريخ 23/09/2009
إلى السيد نزار ابنعوف – السودان :
إن الغرور في كتاب الله ورد في قوله تعالى (وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا ) الأنعام 70.
(وغرهم في دينهم ماكانوا يفترون) آل عمران 24.
(ياأيها الإنسان ماغرك بربك الكريم) الانفطار 6.
أما قولك أن الذي قال الغرور هي قطعة قماش لمسح دم الحيض فهذا هراء، سواء من الذين قالوا هذا، أو من صدّق هذا الكلام.


الاسم هوشيار عثمان البلد -
ما هو الفرق بين التوفي والموت ( قرانياً )
حيث أن أغلب المسلمين يؤمنون بأن المسيح في السماء معتمدين على الآية {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (55) سورة آل عمران
لا أؤمن شخصياً برفع مادي لعيسى عليه السلام , فالرفع قد يكون للمكانة (()نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ) ( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ )( )بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)
للكلام بقية.. بعد معرفة رأيكم
البريد الإلكتروني - التاريخ 23/09/2009
إلى السيد هوشيار عثمان :
لقد شرحنا الفرق بين الموت والوفاة في كتابنا الأول (الكتاب والقرآن) فانظره هناك.


الاسم بشار ادلبي البلد الاردن
السلام عليكم
استاذي الفاضل
هل لكم ان تعطوني رايكم بالفائدة البنكية، و التعامل مع البنوك بشكل عام و ما هو تعريفكم و تفصيلكم للربا الذي حرمه الله
و لكم مني كل الاحترام
البريد الإلكتروني bashar2512@msn.com التاريخ 24/09/2009
إلى السيد بشار إدلبي – الأردن :
إن مايسمى بالبنوك الإسلامية هي موضة وعنوان لطبقة من المحتالين المعاصرين. فكل البنوك العادية هي بنوك غير ربوية لأنه لايوجد أي فرق بين البنوك العادية ومايسمى البنوك الإسلامية هي التسمية فقط، وهي مايسمى بالحيل الشرعية.
وسيصدر قريباً عن مركز الدراسات الفكرية المعاصرة كتاب خاص عن الربا والبنوك يغطي كل هذه التساؤلات.


الاسم عمر البلد العراق
الاستاذ القدير محمد شحرور
اريد ان اعرف رايكم في حكم التحريم الخاص بالحديث التالي
(........لعن الله النامصة و المتنمصة و الواصلة و المستوصلة)
البريد الإلكتروني omaar1976@live.fr التاريخ 24/09/2009
إلى السيد عمر – العراق :
علينا أن نعلم الفرق بين كتاب الله وحديث الرسول الأعظم. فالله في كتابه يخاطب الناس الأحياء وليس الأموات إلى أن تقوم الساعة. فهو يخاطب أحياء القرن السابع وأحياء باقي القرون، ويخاطبنا نحن الأحياء في القرن الواحد والعشرين. فالمتكلم واحد، والسامع مختلف. وكل عصر له أرضية معرفية تختلف عن العصر الآخر لذا جاءت الشريعة (الرسالة) حدودية، والنبوة متشابهة قابلة للتأويل، أي ثبات النص وحركة المحتوى، والمعرفة أسيرة أدواتها ونظمها. هذا فيما يتعلق بكتاب الله.
أما الرسول فكان يخاطب قومه حوله والذين يسمعونه ويسألونه حسب مشاكلهم ومفاهيمهم ويجيبهم ويحل مشاكلهم، أي أنه كان يخاطب من حوله من الأحياء. ولو كان كلامه إلى الأحياء في كل عصر إلى أن تقوم الساعة لأصبح عندنا بالضرورة إلهين وليس إله واحد.
أما هذا الحديث إن صح فيمكن فهمه كما يلي :
كان يوجد على زمان الرسول الأعظم صاحبات الرايات الحمر وهن مانسميهن اليوم عاهرات، وكن يتميزن بأنهن ينمصن حواجبهن ويضعن شعراً مستعاراً، وهذا ماكان يميزهن عن بقية النساء. فعوضاً أن يقول الرسول الأعظم : لعن الله العاهرات قالها مجازاً وأدباً لعن الله النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة. أي أن أقوال الرسول الأعظم لاتحمل الطابع الأبدي لكل زمان ومكان.


الاسم عباس البرناوي البلد مكة المكرمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذي وقدوتي الدكتور شحرور حفظك الله من كل سوء ووفقك لكل خير
حقيقة لا أعلم كيف أشكرك
عندما بدأت أقرأ لك تيقنت تماما بأن الإسلام دين الفطرة وكنت قبلا أظن بأن هذه العبارة مجرد أداة للقمع والإكراه
أنا شاب في الواحد والعشرين من العمر في بداية حياتي الفكرية والثقافية
أرجو منك توجيها وإرشادا ولو على عجل
شكراَ من الأعماق يا أستاذ شكراً
البريد الإلكتروني abbas-albarnawi@hotmail.com التاريخ 24/09/2009
إلى السيد عباس البرناوي – مكة المكرمة :
نصيحتي إليك وأنت في مقتبل العمر " كن نفسك " " Be your self"
واعلم أن الله يحبنا ولايكرهنا، وأننا عباد الله ولسنا عبيد الله، أي اعلم أن العبودية حتى لله غير مطلوبة. فالله لم يطلب منا أن نكون عبيده، بل نحن عباده.
والعبيد ليس لهم حرية الاختيار، والعباد لهم حرية الاختيار.


الاسم السيد مهدي امين الجنيد البلد اليمن
سيدي الفاضل
سلام من الله ورحمته عليك وعلى محبيك
سيدي
المكر في القران متعدد الفاظه وكل ايه تدل على معنى غير الاخرى
فما هو المكر برايك وكيف ان الله خير الماكرين
مع خالص احترامي وفائق تقديري لكم
البريد الإلكتروني almahdi_algunid2000@yahoo.com التاريخ 25/09/2009
إلى السيد مهدي أمين الجنيد – اليمن :
للمكر معنى هو التعمية على الآخر بحيث يقوم بعمل ما بدون أن يشعر ماهو الهدف الحقيقي، ولهذا فالمكر نوعان: النوع الحسن والنوع السيء. فقوله تعالى (ولايحيق المكر السيء إلا بأهله) يعني بالضرورة هناك مكر حسن. فالأم تمكر بطفلها لكي تعطيه الدواء، وهو من المكر الحسن. لذا قال تعالى (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) فمكر الله يجعل المكر السيء يحيق بأهله، لذا فهو خير الماكرين.


الاسم الربيعي بوعقال البلد الجزائر
تحية طيبة، وبعد: سؤالي عن ظاهرة تباعد القارات، وهل يمكن القول أنها تقتضي انتفاخ الكوكب شأنها شأن ظاهرة فرار النجوم الدال على انتفاخ الكون ؟
البريد الإلكتروني rebai58@live.fr التاريخ 27/09/2009
إلى السيد الربيعي بو عقال – الجزائر :
والله يا أخي لا أدري شيئاً عن التشابه بين تباعد القارات وتباعد النجوم...


الاسم Salem البلد Canada
السلام على من اتبع الهدى
عزيزي الدكتور شحرور انا من اشد المتابعين لفكرك من بداية صدور مؤلفكم القدير الكتاب والقران في التسعينيات وايضا متابع لهذا القسم من الاسئله والاجوبه ولدي هذه المداخله الخجوله علها تفيد , بالنسبه لسؤال السيد سام عن الحسنات يذهبن السيئات اقول نعم وبعمليه حسابيه بسيطه فلنفرض لديك 10 سيئات وقم باعمال حسنه بمايعادل 3 حسنات سيصبح الناتج الاجمالي لاعمالك 7 سيئات.
البريد الإلكتروني - التاريخ 28/09/2009
إلى السيد سالم – كندا :
للحسنات درجات وللسيئات درجات.
فالذي ينقذ حياة إنسان من الغرق أو الحريق أو من أية محنة فيها هلاك هذه حسنة ولكنها قد تذهب كل السيئات العادية، لذا قال تعالى عن السيئات (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) ففي السيئات هناك كبائر وهناك لمم، وكذلك في الحسنات.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

أين يعبد الله؟

أين يعبد الله؟

قلنا إن الله خلق الناس أحراراً (عباداً) يعصونه بملء إرادتهم، ويعطونه بملء إرادتهم، وهذه هي كلمة الله العليا في الخلق .. الحرية. وهذه هي الكلمة التي سبقت من ربك، بأن يكون الناس أحراراً في اختيار قراراتهم وسلوكياتهم، وهي المرتكز الأساسي لمبدأ الثواب والعقاب، إذ لا حساب ولا مساءلة إلا مع الحرية.
فعندما يكره شخص شخصاً آخر على إقامة الصلاة، فقد تعدى على حاكمية الله وعلى كلمته التي سبقت، ونصب نفسه قيما على الصلاة، وأكره الناس على أدائها، وحول الخلق من عباد الله، إلى عبيد له شخصياً.
وعندما يكره شخص شخصاً آخر على ترك الصلاة، فحكمه كالأول تماماً، قد ألغى مبدأ أن تكون كلمة الله هي العليا، وقيد حريات الناس في الإختيار، وعطل بالتالي مبدأ الثواب والعقاب القائم على حرية اختيار القرار.
من هنا نفهم أن الثواب والفلاح يأتي من الله إن الإنسان الذي قبل تعاليم رب العالمين وأوامره طائعاً مختاراً، رغم أنها تحد من حريته، والتزم بأدائها دون إكراه، وهذا هو ميثاق الإسلام، أي السير طوعاً على الصراط المستقيم الذي هو عبادة الله.
وقلنا إن الله سبحانه لا يعبد في المساجد ولا في الكنائس ولا في البيع ولا في الأديرة، فهذه كلها بيوت وأماكن أذن الله أن تبنى ليذكر فيها اسمه، وليس ليعبد فيها. فعبادة الله هي اتباع الصراط المستقيم والوصايا خارج هذه البيوت وليس داخلها.
لقد جاء مفهوم عبادة الله باتباع الصراط المستقيم، في فاتحة الكتاب بشكل لا لبس فيه، حين قال تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين). ويثور السؤال في فكر السامع حين يسمع هذا القول: وكيف نعبده سبحانه؟ وكيف نستعين به؟ ويأتي الجواب مباشرة موضحاً: (إهدنا الصراط المستقيم). وتتوالى بعدها الآيات لتزيد الأمور وضوحاً في ذهن السامع، فالكتاب، أي التنزيل الحكيم، هو الهدى المشار إليه في الفاتحة كما تنص البقرة 2.
والمهتدون به هم المتقون المفلحون، الذين يؤمنون بالله ويوقنون بالآخرة ويؤمنون بما أنزل إلى محمد (ص) وإلى من سبقه ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله (البقرة 2،3،4،5). ولا يحتاج المتأمل إلى وقوف طويل ليدرك أن هذا الهدى يجمع الإسلام وأركانه والإيمان وأركانه كما سبق تفصيلهما في بحث "الإسلام والإيمان".
ولا يكاد يجاب على سؤال كيف نعبد الله، حتى يثور سؤال كيف نستعين به، وهذا شأن التنزيل الحكيم في مخاطبة ذوي العقول والألباب، وفي التوجه إلى الذين يعقلون والذين يتفكرون. ويأتي الجواب في قوله تعالى:
- (واستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) البقرة 45.
- (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين) البقرة 153.
ونتذكر أن "المعين" و"الصبور" من أسماء الله الحسنى، ونلاحظ أن الله يدلنا كيف نعبده، وكيف نستعين به. ونفهم أن للاستعانة شقين هما الصبر والصلاة، يتعلقان بالإنسان شخصياً كفرد، أما العبادة فعلاقتها بالمجتمع الإنساني كله. كما نلاحظ كيف أن العبادة جاءت قبل الصلاة لأنها من أركان الإسلام، أما الصلاة فمن أركان الإيمان، أي أننا نؤمن بالله أولاً كمسلمين ونعبده (إياك نعبد)، ثم نستعين به كمؤمنين ثانياً ونقيم الصلاة (وإياك نستعين). وهكذا نرى أن كل أو معظم الناس حين يقعون في ضائقة أو مأزق فإنهم يلوذون إلى الله ويصبرون بعد أن يستنفذوا كل الإمكانيات المادية الإنسانية المتوفرة لديهم، أي علينا أن نساعد أنفسنا ونطلب من الله المساعدة.
ونقف عند قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم) ونحن نسأل: من هم الذين أنعم الله عليهم؟ ويأتي الجواب في قوله تعالى:
- (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً) النساء 69.
وهكذا نرى أن عبادة الله تتجلى في تعاليم الإسلام ووصاياه التي بدأت بنوح وختمت بمحمد، وفي الالتزام الطوعي الإختياري بمثله العليا الإنسانية. ومن هنا نشأ مفهوم الإلتزام بالقانون طاعة ومعصية، ولا يتعارض هذا مع هذا. فحرية العباد في اختيار الطاعة والمعصية، يقودهم يوم الحساب إلى الثواب والعقاب، وحرية المواطنين في طاعة ومعصية القوانين يقودهم إلى محاكمة تبريء الملتزم منهم وتوقع على المخالف العاصي العقاب الرادع.
فإذا ألقينا نظرة على تعاليم الإسلام هذه، نجد في مقدمتها التعليم رقم (1):
أن لا تشركوا به شيئاً ---> شهادة أن لا إله إلا الله ---> التوحيد رأس الإسلام
وإذا تصفحنا أخبار الأنبياء والمرسلين جميعاً في التنزيل الحكيم، لا نحجد أحداً منهم جاء ليقول للناس: إن الله موجود، بل جاءوا جميعاً ليقولوا: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) "التوحيد". ذلك لأن الله سبحانه خلق الإنسان والله موجود في فطرته، ولا يحتاج لمن يقول له إنه موجود.
من هنا جاءت عقوبة الإجرام والمجرمين (الإلحاد وإنكار وجود الله) صارمة جداً في التنزيل الحكيم، لأنهم بإجرامهم وإنكارهم خالفوا الفطرة التي فطروا عليها. ومن هنا يمكن القول إن أهل الأرض قاطبة يولدون مسلمين، وإن وجود الله في الذهن الإنساني لا يحتاج إلى رسل وأنبياء، إذ هو فطرة جبل الله خلقه عليها، كما في قوله تعالى:
- (فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذك الدين القيم ..) الروم 30.
فإذا انتقلنا إلى التعليم رقم (2) من تعاليم الإسلام(1)، نراه في بر الوالدين. فكيف يمكن أن يكون ثمة بر بالوالدين إن لم تكن هناك أسرة، وكيف تكون الأسرة دون زواج، وكيف يكون الزواج دون أسس وأركان مادية يقوم بها، من بيت وأثاث وثياب .. الخ.
فإذا انتقلنا إلى البند الثالث من هذه التعاليم الإسلامية، نجده ينهى عن قتل الأولاد بداعي الفقر. فكيف نطبق هذا البند إذا لم يكن هناك مجتمع، ولم تكن هناك أزمات اقتصادية.
وإذا أخذنا البند الرابع، وهو النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فكيف نطبقه إذا لم يكن هناك جنس ورغبات جنسية، والرجل لا يرى المرأة إطلاقاً، بل لا يرى إلا محارمه. وكيف يمكن تطبيقه على اللواط والسحاق إذا لم يكن هناك جوع جنسي في مجتمع أغلق أبوابه على رجال لوحدهم ونساء لوحدهن خلف أسواره العالية.
وكيف نطبق البند الخامس في النهي عن قتل النفس، إذا لم يكن هناك مجتمع فيه صراعات وثارات وضغائن وأحقاد شخصية (مجتمع حي) .
وكيف نأتمر بعدم الإقتراب من مال اليتيم، إذا لم يكن هناك حب للمال في داخلنا، ولم يكن هناك مجتمع يسود فيه مفهوم إكرام اليتيم.
وكيف نوفي الكيل والميزان ونقيمهما بالقسط، إذا لم يوجد مجتمع فيه تبادل تجاري وصناعة وزراعة، تتطلب كلها مقاييس ومواصفات.
وكيف يمكن تطبيق بند (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) إلا في مجتمع إنساني حي فيه معاملات وأناس يختصمون.
وكيف نلتزم بالوفاء بعهد الله، إذا لم يكن هناك دولة ومجتمع ومهن وزواج، ومواثيق تقوم عليها الأحزاب والجمعيات.
وكيف نطبق مبدأ (ولا تجسسوا) إلا في مجتمع تتوفر فيه إمكانيات التجسس، وقابلية التجسس.
وكيف نلتزم بدخول البيوت من أبوابها، إلا في وجود مدن وقرى وشوارع وبيوت لها أبواب.
من هذه الأمثلة وغيرها كثير، يتبين لنا أن التعاليم الإسلام، تطبيقاً والتزاماً، حقلاً واحداً تنصب فيه هو الحياة المعاشة بكل أبعادها. والإنسان الذي يحيا أبعاد هذه الحياة، هو الإنسان الذي يحتاج أن يكون مسلماً. لأنها هي حقل توظيف تعاليم الإسلام، وفيها ومن خلالها يعبد الله فيطاع أو يعصى بملء الإرادة والإختيار. أي أننا لا نعبد الله إلا إذا عشنا الحياة الدنيا بكل أبعادها، إذ لا يمكن أن يثاب الإنسان في الآخرة أو يعاقب، إلا إذا عاش الحياة الدنيا، واختار فيها بملء إرادته أن يعمل صالحاً أو أن يعمل صالحا. فالآخرة كما قلنا ليس فيها عبادة وليس فيها تكاليف، بل فيها حساب وثواب أو عقاب.
من هنا نقول إن الزهد وهجر الدنيا تحت أي اسم وعنوان رفض صريح لعبادة الله كما نفهمها. فإذا قال قائل إن الحياة الدنيا جسر ومعبر قصير إلى الآخرة، قلنا وهل يحدد مصير الإنسان في تلك الآخرة إلا عبادته لله في هذه الدنيا، هذه العبادة التي لا تكون إلا بأن يعيش الحياة الدنيا بكل أبعادها.
ون هنا نقول إن على المسلم العابد لله فعلاً، أن يطلب الدنيا كاملة ليعبد الله من خلالها، ولكي يطلب الدنيا عليه أن يفهم ويعي قوانينها، (قوانين الوجود الكوني والإجتماعي)، فعبادة الله والإلتزام بمثل الإسلام العليا لا تتحقق إلا بهذا الفهم والوعي.
لقد عرف سبحانه الحياة الدنيا في تنزيله الحكيم تعريف وصف جامع مانع، لا ظل فيه للذم أو القدح كما يذهب البعض، ليعلمنا ما هي الحقول التي نوظف فيها تعاليمه لنعبده من خلالها، ونسير طائعين مختارين على الصراط المستقيم الذي رسمته لنا هذه التعاليم، فقال سبحانه:
- (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) الحديد 20.
نبدأ بفعل لعب. فاللام والعين والباء كلمتان منهما يتفرع كلمات. فاللعب معروف، والملعب مكان اللعب، واللعبة اللون من اللعب، واللعبة اسم المرة. والثانية اللعاب وهو ما يسيل من الفم (ابن فارس ج5).
وننتقل إلى فعل لهو. فاللام والهاء والحرف المعتل أصلان صحيحان، أحدهما يعني الشغل بشيء عن شيء، والآخر نبذ شيء من اليد. ومن الأموال اللهو، وهو كل شيء شغلك عن شيء وألهاك، ولهوت من اللهو، ولهيت عن الشيء إذا تركته لغيره. ويقولون إذا استأثر الله بشيء فاله عنه، أي اتركه ولا تشتغل به. وفي هذا قال تعالى (لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) الأنبياء 17.
أما الأصل الآخر فهو اللهوة، وهو ما يطرحه الطاحن في ثقب الرحى بيده والجمع لهى. وبذلك سمي العطاء لهوة (ابن فارس ج5).
وأما الزينة فهي كل ما يتزين به الناس من أشياء وأماكن، والزينة تدخل في الشهوات.
فخر: الفاء والخاء والراء أصل صحيح يدل على عظم وقدم. يقولون في العبارة عن الفخر هو عد القديم. قال أبو يزيد فخرت الرجل على صاحبه أفخره فخر أي فضلته عليه. والفخير الذي يفاخرك بوزن الحطيم. والفخير الكثير الفخر. والفاخر الشيء الجيد. والتفخر التعظم. والناقة الفخور العظيمة الضرع القليلة الدر. (ابن فارس ج4، ص481) . ونأتي الآن على شرح آية الحديد 20.
1 - يقول تعالى إن الحياة الدنيا لعب، أي أنها لعبة لكل إنسان دور فيها، كبيراً كان هذا الدور أم صغيراً. وأن هذه الحياة تعاش مرة واحدة، فهي كاللعبة التي لا تلعب إلا مرة واحدة. وعلى الإنسان أن يحرص على أن يلعبها ويؤدي دوره فيها.
2 - ويقول تعالى إن الحياة الدنيا لهو. واللهو كما نفهمه من أصل معانيه واشتقاقاته، هو المعبر عن حركية الحياة الدنيا، وهو البند الأول لكي يلعب الإنسان دوره، فينتقل (يلهو) من وجه من وجوه الحياة إلى وجه من وجوه الحياة إلى وجه آخر. فالإستيقاظ يلهي الإنسان عن النوم، والأكل يلهيه عن كرة القدم، والخروج من البيت يلهيه عن الموت المكوث فيه، والسفر يليه عن اجترار الأحزان، والحزب يلهي عن الإستمتاع بروائح الزهور، وكلما زادت بنود اللهو عند الإنسان زادت حركية الحياة عنده والعكس صحيح، فكلما كان اللهو عنده أكثر، كانت حياته ديناميكية أكثر.
ولهذا نسمي مدينة الملاهي بهذا الاسم، لما فيها من ألعاب تلهي كل منها عن الأخرى، وتلهي بمجموعها عن الأرق والإنقباض والتقوقع. وكذلك يقال في الموسيقى والغناء. أي أن اللهو هو بنود الحياة ذاتها بعجرها وبجرها، وكلما زادت هذه البنود كانت الحياة مليئة أكثر. من هنا فإن أقل الناس لهواً في الحياة هو السجين الذي يحيا داخل جدران أربعة. فبنود الحياة تقلصت عنده إلى حدها الأدنى، والذي لا يلهو هو الذي لا يفعل شيئاً، وهو الذي لا يحيا بنود الحياة، وهذا الوضع أسوأ من وضع البهائم.
ونلاحظ أن العبادة، عبادة الله طاعة ومعصية، واضحة في بنود اللهو وبنود الحياة وفي تنوع هذه البنود. فإذا انتقل الإنسان من حالة الخمول والكسل ليتلهى عنها بالعمل، فهو يعبد الله طاعة لآمره تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ..) التوبة 105. وإذا أكل وشرب وتحرى الحلال الطيب في مأكله ومشربه، فهو يعبد الله طاعة لآمره في قوله تعالى (كلوا من طيبات ما رزقناكم ..) طه 81. وإذا أنفق فأسرف، فهو يعبد الله معصية لأوامره، وكذلك إذا غش بالمواصفات ولم يقسط في الكيل والميزان، فهو يعبد الله عاصياً لأوامره. ولهذا نقول كلما زادت بنود اللهو (حركية الحياة) كبرت إمكانية عبادة الله في الطاعة والمعصية، وأصبحت إمكانية إتباع الصراط المستقيم واقعية موضوعية.
حين يقول تعالى (لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) الأنبياء 17. فهو يعني أن خلقه لنا ليس لهواً له، يشغله عن أمور أخرى، إذ اللهو بمعنى الإنتقال والإنشغال بشيء عن شيء لا ينطبق عليه، سبحانه وتعالى عما يصفون.
ثمة دور ولهو سيء يمكن أن يتفرغ له الإنسان، ورد في قوله تعالى:
- (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً، أولئك لهم عذاب مهين) لقمان 6.
هنا يتوعد سبحانه بالعذاب المهين، الذين يتفرغون ويجعلون دورهم في الحياة الدنيا تفرغا ليضلوا الناس على سبيل الله، ويهزأون من سبيل الله وصراطه، كأن يفرغ الإنسان نفسه وحياته لنشر الفاحشة والدعوة إليها، ولنشر الغش والجريمة قائلاً بسخرية: وماذا أفاد الناس من استقامتهم وصدقهم؟. أما ا يذهب إليه البعض في فهم (لهو الحديث) أنه الغناء والموسيقى والرقص وأنواع الفنون الأخرى، فهو ليس عندنا بشيء.
وبما أن عبادة الله لا تكون إلا خارج المساجد والكنائس والبيع والصلوات، فنحن نفهم أن المساجد والصلاة لذكر الله، وهي لهذا لا تدخل ضمن بنود اللهو، ولهذا فصلها تعالى عن بنود اللهو الأخرى في الحياة بقوله تعالى:
- (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ..) الجمعة 9.
- (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً، قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة، والله خير الرازقين) الجمعة 11.
3 - ويقول تعالى إن الحياة الدنيا زينة. ولقد شرحت في (الكتاب والقرآن) مفهوم الزينة في بند الشهوات. فقد وردت الزينة في قوله تعالى:
- (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب) آل عمران 14.
- (.. ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن ..) النور 31.
وقلنا إن النساء في آية آل عمران 14 تعني ما تأخر واستجد من الأشياء وليس جمع امرأة، فالمرأة ليست شيئاً وليست من متاع الدنيا. وأن البنين هي الأبنية وليس الأبناء، فالأبناء ليسوا أشياء ومتاع، وقلنا إن الزينة في آ]ة النور 31 هي الزينة المكانية الظاهرة والمخفية. وإن النساء في الآية (أو نسائهن) هم النسل المستجد المتأخر لمن ذكر في الآية كالأحفاد وأبناء الأحفاد.
وهنا نرى أن بنود الزينة هي آلية اللهو، وهي المواضيع المادية المباشرة التي يقع عليها اللهو. فالنوم يحتاج إلى منزل وغرف نوم وفرش وأغطية، واللهو عن النوم بالأكل يحتاج إلى أنعام (لحم، حليب، بيض ..) وإلى خبز يحتاج بدوره إلى زراعة وأدوات زراعية، وهكذا. أي أن الزينة هي الممارسة المادية لبنود اللهو التي يعبد الله طاعة ومعصية من خلالها. وكلما كثرت بنود الزينة تاق الإنسان أكثر إلى مزيد، وزادت بنود اللهو، وبالتالي زادت إمكانية عبادة الله وزادت حركية الحياة.
4 - ويقول تعالى إن الحياة الدنيا تفاخر بين الناس. وهذا ما نراه موضوعياً إذا نظرنا إلى كل أهل الأرض، من الجانب الإيجابي الشيء الجيد هو الفاخر، فنقول لباس فاخر ومنزل فاخر. وفي الصناعة نقول إن المرسيدس فخر صناعة السيارات الألمانية، والإلكترونيات فخر الصناعة اليابانية. أما نحن العرب فليس لدينا سوى التخلف والإستبداد بجميع أنواعه وحجاب المرأة وذكورية المجتمع نفخر بها على الناس كافة. لولا أنه في التخلف يعبد الشيطان وليس الله، لأن مواد اللهو المفيد عندنا شبه معدومة، ومن هنا نقول إننا أقل عباد الله عبادة لله بعد أن ضيقنا على أنفسنا المجالات الحيوية لهذه العبادة.
إن المعنى الإيجابي للتفاخر الذي رسمه تعالى بنداً من بنود تعريفه للحياة الدنيا، هو التفاخر بالإنتاج وبالإستهلاك فهو أساسيات الحياة الدنيا ومن متطلباتها، وعلينا أن نسعى إليه ونطمح دائماً، طموحنا إلى حياة أفخر وأفضل، وهو من نعم الله على عباده مكمل لنعمة الحياة ونعمة الحرية ونعمة العقل.
من التفاخر بالزينة كبنود للهو، تظهر بنود المثل العليا (الصراط المستقيم) وفيها المجال الموضوعي لعبادة الله طاعة (باتباع الصراط المستقيم) ومعصية (بتركه وانتهاج سبيل آخر غيره).
5 - ويقول تعالى إن الحياة الدنيا تكاثر بالأموال والأولاد. فإذا نظرنا إلى أهل الأرض، نجد أن التناسل والإنجاب وجمع الثروة هو القاسم المشترك بينهم جميعاً. فلا يوجد شعب من الشعوب ولا أمة من الأمم كانت أو كائنة أو ستكون إلا وجمع المال والإنجاب أساس الأسس عند أفرادها وجماعاتها. فلولا المال لما كان هناك أمانة وسرقة وغش، ولما كان هناك ظلم في الأحكام وشهادة زور، ولولا الأولاد لما كانت هناك أسرة وزواج وعقود ومهور ونفقة وطلاق وميراث، ولما كان هناك حقول يتم صرف المال فيها. بمعنى أننا لا يمكن أن نتصور إنساناً في كهف بدائي، ومعه مليون قطعة ذهبية، ونقول هذه هي الحياة الدنيا.
لقد ذهب الكثيرون إلى فهم وصفه تعالى للحياة الدنيا في آية الحديد 20، بأنه سبحانه يذمها ويحط من قدرها، لكننا لا نجد في الآية أكثر من وصف دقيق لها لإمكان فيه لذ أو قدح.
ولو أننا جردنا الحياة الدنيا مما يزعم أنه محط ذم، فماذا يبقى منها؟ تصوروا معي حياة دنيا ليس فيها دور للإنسان (لعب) وليس فيها شيء يشغله عن شيء آخر (لهو) وليس فيها بيوت وأنعام وذهب وفضة (زينة) وليس فيها تكاثر بالأموال والأولاد.. فماذا يبقى من مجالات نعبد الله فيها؟ وهل يطاع الله في لا شيء أو يعصى في لا شيء؟ وهل تكون حرية الإختيار في لا شيء، ويأتي الثواب والعقاب يوم الحساب على لا شيء؟
باختصار، حين نقرر أن هذه الصفات التي وصفها تعالى للحياة الدنيا هي محل ذم، وندعو إلى تركها والزهد فيها، فنحن نقرر ألا نعبد الله لا طاعة ولا معصية بعد أن حذفنا كل المجالات التي يطاع فيها ويعصى (يعبد).
لهذا، فالإنسان الذي يؤمن بأن تكون كلمة الله هي العليا، هو الذي يطلب الدنيا ويعيشها بكل أبعادها، لأنها لا تتاح له إلا مرة واحدة، وهو الذي يحيا الحياة عابداً الله طاعة ومعصية، يريد أن يختبر مصداقية المثل الإسلامية العليا (الصراط المستقيم). أما إذا كان الأمر غير ذلك، فلا معنى للحساب والجنة والنار، ومعناه أن الله خلقنا عبثاً، تعالى الله عما يصفون.
من هنا فإن أول بند من بنود هذه الحياة، التي نحياها مرة واحدة، هو أن نحرص عليها. وأن طموح مشروع وهبه له الله.
ينتقل تعالى في الآية بعد ذلك كله، إلى تشبيه الحياة الدنيا ولهوها وزينتها بالغيث يخرج نباتاً يهيج ثم يصفر ثم يصبح حطاماً. ونفهم أنه تعالى يشير إلى قانون (كل شيء هالك إلا وجهه) كنهاية لهذه اللعبة واللهو والزينة. وأنه تعالى يذكرنا بأن البيت الفاخر والثوب الفاخر يبلى مع الزمن، وأن على الإنسان ألا ينسى وهو يلعب لعبة الحياة هذه حراً في طاعته ومعصيته، أن السعادة نسبية، وأن كل ما يقوم به الإنسان يبلى ويمكن تجاوزه، ما عدا المثل العليا المتمثلة بالصراط المستقيم فهي ثابتة باقية. إذ هي التي يتعبد بها الإنسان سواء كان في خيمة أو في قصر، على جمل أو في صاروخ.
ولولا أن كل شيء يبلى ويمكن تجاوزه، أي لولا قانون كل شيء هالك إلا وجهه، لمات الأمل والطموح، واندثرت الجامعات ومعاهد البحث العلمي، ولتوقفت الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات، لأن الهلاك فيه ديناميكية الحياة نفسها. ونلاحظ أنه تعالى يشبه الحياة الدنيا بالغيث، والغيث لا يرد في التنزيل الحكيم إلا في مجال الرحمة، أما المطر ففي مجال السخط والعذاب. كما نلاحظ كيف رسم في صورة النبات قانون التطور والهلاك الذي هو أساس الطموح في هذه الحياة الدنيا، وعصبها ومحركها الأساسي.
ثم تأتي نهاية الآية بقوله تعالى (.. وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان ..)، لتربط لنا بوضوح هذه الصورة والوصف للحياة الدنيا بحرية الإنسان فيها بأن يعصى فله في الآخرة العذاب الشديد، وبأن يطيع فيفوز بمغفرة الله ورضوانه. فإذا عشنا الحياة الدنيا بكل ما فيها من لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر، وعبدنا الله مختارين الطاعة والمعصية بملء إرادتنا، وصلنا إلى الآخرة حيث الثواب والعقاب بعد الحساب.
ويختم تعالى الآية بقوله (.. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). وذلك ليؤكد على أن الحياة الدنيا بكل ما سبق من وصفها لا يمكن أن تصل إلى الكمال، بل هي في تطور من حال إلى حال، وانتقال من طموح إلى طموح تال. فإذا بلغ التطور والطموح حد الكمال مات الأمل كما قلنا، وتوقفت عبادة الله طاعة ومعصية. وهذا سر الشهوة الأول عند الإنسان للمستجدات من كل شيء (النساء).
فالغرور في الآية هو عدم النضوج والإنتهاء إلى الكمال، وما دامت كذلك فستظل تسير من حال إلى حال أحسن. فليس في الحياة الدنيا نهاية مطاف، بل جيل يتجاوزه جيل، وصناعة تتجاوزها صناعة، وثياب جميلة تحل محلها ثياب أجمل .. وهنا تكمن لذة الحياة والعمل والطموح، وهنا يعبد الله سبحانه طاعة ومعصية، وهكذا نفهم قوله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الحجر 99، حيث لا تنتهي العبادة إلا بالموت، هنا لا بد من التنويه بأنه إذا عبد الله في الحياة الدنيا (البنود المذكورة أعلاه) طاعة دون معصية فهذا يعني أن الإنسان يذكر الله (لم ينسه البتة) في ذاكرته وفي عقله، لهذا ختم الوصايا الخمس الأولى في سورة الأنعام بقوله (.. لعلكم تعقلون) والأربع التي تليها بقوله (.. لعلكم تذكرون) والوصية العاشرة ذكر فيها (.. لعلكم تتقون) تقوى التوحيد والعمل الصالح.
وهكذا نفهم قوله تعالى من أن ذكر الله أكبر من الصلاة (.. وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون) العنكبوت 45. فهذه الآية جمعت بين الله في الوجدان (الصلاة) والله في الذاكرة والعقل (العبادة)، ولذا أمرنا الله تعالى بعد صلاة الجمعة أن نذكره كثيراً بقوله (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) الجمعة 10.
وكذلك يمكن الآن أن نربط بين قوله تعالى في سورة المائدة (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين) المائدة 93. وبين قوله تعالى (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، وما الحياة الدنيا إلى متاع الغرور) الحديد 20. أي أن المجال الذي يتحقق فيه "طعموا" هو الحياة الدنيا بكل بنودها المتتالية التي شرحت أعلاه، لعب ولهو وزينة وتفاخر (منافسة) وتكاثر في الأموال والأولاد.

الإسلام والإيمان

القسم الأول
الإسلام والإيمان

ثمة العديد من آيات التنزيل الحكيم، تجدنا فيها أمام مصطلحات هي: الإسلام/ المسلمون، والإيمان/ المؤمنون،والتقوى / المتقون، تقابلها في جانب آخر مصطلحات هي: الإجرام / المجرمون، والكفار / الكافرون، والشرك / المشركون.
ونفتح المعاجم والتفاسير وكتب الأصول، فتجدنا أمام خلط واضح بين الشرك والكفر والإجرام، وأمام ثنائية غائمة لا تفرق بين المسلم والمؤمن، والإسلام والإيمان، وتجعل المسلمين مؤمنين والمؤمنين مسلمين والجميع أتباع محمد (ص).

1 - الإسلام والمسلمون

نعود إلى التنزيل الحكيم، ونحن متفقون على أنه صادق خال من الحشو، لنقرأ فيه:
- (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات …) الأحزاب 35.
- (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات …) التحريم 5.
- (قالت الأعراب آمناً قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم …) الحجرات 14.
ونفهم من الآيات أمرين، الأول أن المسلمين والمسلمات شيء والمؤمنين والمؤمنات شيء آخر، والثاني أن الإسلام يتقدم دائماً على الإيمان ويسبقه.
ونقرأ قوله تعالى:
الجن - (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً) الجن 14.
إبراهيم - (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلما …) آل عمران 67.
يعقوب - (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون). البقرة 132.
يوسف - (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) يوسف 101.
سحرة فرعون - (وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين) الأعراف 126.
فرعون - وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا، حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين) يونس 90.
الحواريون - (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون) آل عمران 52.
نوح - (فإن توليتم فما سألتكم من أجر، إن أجري إلا على الله، وأمرت أن أكون من المسلمين * فكذبوه فنجيناه ومن. معه في الفلك …) يونس 72، 73.
لوط - (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) الذاريات 35، 36.
ونفهم من الآيات في تسلسلها أعلاه، أن الجن وإبراهيم ويعقوب والأسباط ويوسف وسحرة فرعون والحواريون ونوحاً ولوطاً، كانوا من المسلمين، وأن فرعون حين أدركه الغرق نادى بأنه منهم. وهؤلاء جميعاً لم يكونوا من أتباع محمد (ص)، فالحواريون من أتباع عيسى (ع) وسحرة فرعون من أبتاع موسى (ع).
ونفهم من هذا كله أن الإسلام شيء والإيمان شيء آخر، وأن الإسلام متقدم على الإيمان سابق له، وأن المسلمين ليسوا أتباع محمد (ص) حصراً. ونصل أخيراً إلى السؤال الكبير: إن كانت الشهادة برسالة محمد (ص)، والشعائر من أركان الإسلام، فكيف يصح إسلام فرعون وهو لم يلتق إلا بموسى (ع)، وإسلام الحواريين وهم لم يعرفوا سوى المسيح عيسى بن مريم، وإسلام غيرهم ممن أثبت التنزيل الحكيم إسلامهم فيما ذكرنا من آيات، وهم جميعاً لم يسمعوا بالرسول الأعظم، ولم يصوموا رمضان، ولم يحجوا البيت؟
لقد أقامت كتب الأصول والأدبيات الإسلامية أركاناً للإسلام من عندها، حصرتها في خمس، هي التوحيد والتصديق برسالة محمد (ص) والشعائر، مستبعدة العمل الصالح والإحسان والأخلاق من هذه الأركان. فالتقت، دون أن تقصد، بالعلمانيين والماركسيين من أصحاب مشاريع الحداثة والتجديد، كما أسلفنا، ووقعت دون أن تقصد أيضاً، فيما وقع فيه اليهود والنصارى!!
يقول تعالى في محكم تنزيله:
- (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، تلك أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة، 111، 112.
فاليهود يحصرون الجنة باليهود، وما عداهم في النار، والنصارى يحصرون الجنة بالنصارى وما عداهم في النار، والتنزيل يعتبر ذلك كله أوهاماً منهم لا برهان عليها، ويصحح لهم أوهامهم بصراحة لا لبس فيها، قائلاً أن الجنة يدخلها كل من (أسلم وجهه لله وهو محسن).
وتأتي أركان الإسلام الموضوعة لتقول: لا يقوم إٍلام إلا على التصديق برسالة محمد (ص)، وعلى الصلاة والزكاة والصيام والحج. وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله، في زعمهم، غيره، ولا يدخل الجنة إلا أصحابه. ونسأل نحن: أليس هذا بالضبط ما قالته اليهود والنصارى، فتصدى لهم سبحانه في التنزيل؟
لقد تم اعتبار الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيع من أركان الإسلام. فإذا ما فتحنا التنزيل الحكيم، وجدناه يكلف المؤمنين بهذه الشعائر، وليس المسلمين. واقرأ معي قوله تعالى:
- (.. إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء 103.
- (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، إن الله بما تعملون بصير) البقرة 110.
- (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) النور 56.
- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ..) البقرة 183.
إلى قوله تعالى:
- (.. فمن شهد منكم الشهر فليصمه ..) البقرة 185.
ونجد أنفسنا أمام سؤال كبير: لماذا تم استبعاد الجهاد، والقتال، والقصاص، والشورى، والوفاء بالعقود والعهود، والعديد العديد من الأوامر والتكاليف، من أركان الإسلام، مع أن حكمها واحد في الآيات كحكم الصلاة والزكاة والصيام والحج؟
ونقرأ قوله تعالى:
- (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً، لهم مغفرة ورزق كريم) الأنفال 74.
- (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات 15.
- (كتب عليكم القتال وهو كره لكم .. والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة 216.
- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ..) البقرة 178.
- (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى 38.
- (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..) المائدة 1.
- (.. وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) الإٍسراء 34.
- (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ..) الإسراء 34.
- (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ..) الإسراء 35.
- (ولا تقف ما ليس لك به علم ..) الإسراء 36.
- (ولا تمش في الأرض مرحاً ..) الإسراء 37.
- (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ..) النور 27.
كما نجد أنفسنا، مع أركان الإسلام المزعومة التي تضم الشعائر فقط، أمام تحريف خطير لما ورد في التنزيل الحكيم. فالدين عند الله الإسلام، لا يقبل ديناً غيره .. ولكن الدين الإسلامي عند الله دين الفطرة الإنسانية التي فطر سبحانه الخلق عليها، بدليل قوله تعالى:
- (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم 30.
ولا بد أن تكون أركان هذا الإسلام، بدليل قوله تعالى، فطرية مقبولة، تتماشى بشكل طبيعي مع ميول الخلق. فهل الشعائر (إقامة الصلاة – الصوم – حج البيت – الزكاة) التي افترضوا أنها من أركان الإسلام، فطرية؟ تتجه إليها النفوس والأرواح والعقول مدفوعة بفطرة الخلق؟
لنأخذ الزكاة مثلاً، لنجدها ضد الفطرة الإنسانية تماماً!! فالزكاة إخراج للمال وإنفاق له، بينما جبل الله خلقه على كنز المال وحبه، كجزء من أجزاء غريزة حب البقاء، يقول تعالى:
- (وتحبون المال حباً جماً) الفجر 20.
- (.. ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ..) البقرة 177.
- (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ..) الحديد 20.
- (إن الإنسان خلق هلوعا * إذ مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا) المعارج 19-20.
ولننظر إلى الصوم كمثل آخر، لنجده يتعارض مع الفطرة، ومع غريزة حب البقاء، تعارضاً عمودياً!! فالأصل في الفطرة أن يأكل المرء حين يجوع، ويشرب حين يعطش، ويطلق للسانه العنان سباً وشتماً حين يغضب. أما الصوم فهو تهذيب لهذه الوجوه الوحشية البهيمية من الفطرة، وقمع لهذه الغرائز التي أوجدها الخالق في الخلق لحماية النوع والحفاظ على البقاء.
ثمة مثال ثالث، لم يرد عند واضعي أركان الإسلام، رغم أنه تكليف أمر الله به المؤمنين، هو القتال، في هذا المثال يوضح سبحانه (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ..) البقرة 216، أن القتال كتب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم، مما يذكرنا بآية الصوم (البقرة 183) التي تنص على أن الصيام كتب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم، ويذكرنا بأن الصلاة (كتاباً موقوتاً)، لكن البقرة 216 تزيد فتوضح بما لا يقبل الشك بأن الله يأمر المؤمنين بالقتال وهو كره لهم.
صدق الله العظيم، فالقتال ضد الفطرة، والزكاة ضد الفطرة، والصيام ضد الفطرة .. وباختصار، الشعائر كلها ضد الفطرة .. ولو كانت من الفطرة لما أنزلها تعالى في محكم كتابه، وكلف المؤمنين بها تكليفاً، ولترك الخلق يؤدونها بفطرتهم دون أمر منه، تماماً كما تمتنع البقرة عن أكل اللحم، بفطرتها التي فطرها الله عليها.
لقد اقتصرنا حتى هذه لسطور، على دحض مزاعم واضعي أركان الإسلام الخمس، وعلى تنبيه القائلين بها إلى مخالفة ذلك للتنزيل الحكيم .. ولكن هل وضع التنزيل أركاناً للإسلام؟ .. وما هي؟
ونقرأ قوله تعالى:
- (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة 62.
- (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فصلت 33.
- (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره ..) البقرة 112.
- (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون) الأنبياء 108.
- (.. قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأنا من المسلمين) يونس 90.
- (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ..) البقرة 128.
- (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ..) النساء 125.
- (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا …) المائدة 44.
ومن هذه الآيات وغيرها كثير، نفهم أن الإسلام هو التسليم بوجود الله، وباليوم الآخر. فإذا اقترن هذا التسليم بالإحسان والعمل الصالح، كان صاحبه مسلماً، سواء أكان من أتباع محمد (الذين آمنوا) أو من أتباع موسى (الذين هادوا) أو من أنصار عيسى (النصارى) أو من أي ملة أخرى غير هذه الملل الثلاث كالمجوسية والشيفية والبوذية (الصابئين).
فإذا قرأنا في ضوء ما تقدم قوله تعالى في أول سورة البقرة: (ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) نفهم أن الغيب هنا هو الله واليوم والآخر، وأن العمل الصالح والإحسان هو أركان الإسلام.
فإذا فهمنا ذلك كله، رأينا منطقياً وطبيعياً أن يقول سبحانه إن الدين عنده هو الإسلام، وأنه لا يقبل ديناً غيره، إذ كيف يقبل الخالق من عباده ديناً هو غير موجود فيه بالأصل.
وإذا فهمنا ذلك، ورأينا هذا، انتبهنا إلى أن التنزيل الحكيم حين يتكل عن الإيمان، وعن الذين آمنوا، فهو يتحدث عن نوعين من الناس، أو لنقل نوعين من الإيمان، أولهما الإيمان بالله واليوم الآخر، وهو الإسلام، ثانيهما الإيمان بمحمد (ص) ورسالته. ويدلنا على ذلك بشكل لا يقبل اللبس ما ورد في التنزيل الحكيم، وما سنعود إليه تفصيلاً مع القول في الإيمان.
رأينا حتى الآن أن التنزيل يضع للإسلام أركاناً ثلاثة هي:
- الإيمان تسليماً بوجود الله.
- الإيمان تسليماً باليوم الآخر (ولاحظ معي هنا أن التسليم باليوم الآخر يعني ضمناً التسليم بالبعث). أي أن الإيمان بالله واليوم الآخر هي المسلمة التي لا تقبل النقاش عند المسلم.
وهذه هي تذكرة الدخول إلى الإسلام.
- العمل الصالح والأحسان. (انظر فصل الذنوب والسيئات).
ونتبين في هذه الأركان الثلاثة جانبين: جانب نظري بحت هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وجانب منطقي عملي هو العمل الصالح والإحسان. إذ لا معنى للإيمان النظري دون سلوك عملي ينعكس فيه ويتجلى من خلاله، ومن هنا نفهم قول الرسول الأعظم إن صح، : الخلق عيال الله، أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.
- الإجرام والمجرمون
فإذا أردنا تعميق فهمنا للإسلام والمسلمين في التنزيل الحكيم، فما علينا إلا أن ننظر في تعريف المصطلح المضاد للإسلام وهو الإجرام، والمصطلح المضاد للمسلمين وهو المجرمين في قوله تعالى:
- (أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون) القلم 35، 36.
لقد ورد الأصل "جرم" ومشتقاته 67 مرة في التنزيل الحكيم. وهو أصل واحد في اللسان العربي يعني القطع. ومنه سميت الأجرام السماوية أجراماً لأنها منفصلة مقطوع بعضها عن بعض. ومنه جاء قوله تعالى: (لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) النحل 109، أي أن خسارتهم في الآخرة أمر مقطوع مبتوت به.
وإذا كان المصطلح القانوني المتداول اليوم، يسمي السارق والقاتل والغاضب مجرماً، فإن الأصل في ذلك أن المجرم هو الذي قطع صلته بالمجتمع وقوانينه وانطلق يجري على هواه. تماماً كالمجرم في التنزيل الحكيم، الذي قطع صلته بالله، فأنكر وجوده، وكفر باليوم الآخر، وكذب بالبعث والحساب.
وهو ما نطلق عليه بمصطلحنا المعاصر اسم "الملحد".
ونقرأ قوله تعالى:
- (.. ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) القصص 78.
- (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) يس 59.
- (ويوم تقول الساعة يبلس المجرمون) الروم 12.
- (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام * فبأي آلاء ربكما تكذبان * هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) الرحمن 41، 42، 43.
- (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) النمل 69.
- (كذلك نفعل بالمجرمين * ويل يؤمئذ للمكذبين) المرسلات 18، 19.
ونحن هنا مع الآيات أمام صور تصف مجرمين ينكرون البعث، ويكفرون بوجود الله، ويكذبون باليوم الآخر، قاموا من أجداثهم بعد نفخة الصور الثانية، فرأوا رأي العين ما كانوا يكذبون بوجوده، فبهتوا دهشة، وبأن ذلك على وجوههم، إلى حد لا يحتاجون معه إلى سؤال وجواب، فهم يؤخذون بدلالة ما ارتسم على وجوههم، ليصلوا النار التي كانوا بها يكذبون.
أما لماذا لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم، فسببه واضح تماماً. أولاً لأن المجرم إنسان ملحد لا يؤمن بوجود الله، وهذا وحده كاف لأن يعطيه تذكرة مرور إلى جهنم دونما حاجة إلى ميزان أو حساب، إذ ليس له بالأصل أي حساب مفتوح عند الله بحكم قطعة لصلته به. ثانياً لأن الذنوب مع الله كترك الصلاة وإفطار رمضان وإخسار الكيل وتطفيف الميزان، ذنوب قابلة للأخذ والرد والتكفير والمغفرة، لو أن صاحبها آمن مبدئياً بالله واليوم الآخر. أما مع المجرم فلا حاجة للسؤال عن الذنوب، وقد تحقق الاجرام بالله والتكذيب بيوم الدين، وقطع الصلة مع الله واليوم الآخر.
ومن هنا .. من قولنا بقطع الصلة .. نفهم قوله تعالى:
- (إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين) المدثر 39-46.
الصورة هنا لأصحاب اليمين في الجنة، يسألون المجرمين ماذا أوصلكم إلى النار؟ فيجيب المجرمون: لأننا لم نعتنق الإسلام نظرياً وعملياً. لم نسلّم بوجود الله فقطعنا صلتنا به (لم نك من المصلين) ولم نسلّم باليوم الآخر (وكنا نكذب بيوم الدين)، ولم نقدم عملاً ينفع الخلق (لم نك نطعم المسكين) بل علمنا ما يسيء ويضر (وكنا نخوض مع الخائضين)، إلى أن رأينا يقيناً كل ذلك حاضراً، فانتهينا إلى ما ترون.
ولقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المصلين في الآية هم مقيمو الصلاة، إلا أننا حين رجعنا إلى آيات التنزيل الحكيم، لم نجده يطلق اسم المصلين على القائمين بالصلاة هذا من جهة، من جهة أخرى ترك الصلاة أو الصيام لا علاقة له بالإيمان بالله واليوم الآخر، ومرتكبوها ليسوا مجرمين، بحيث ينطبق عليهم وصف التنزيل الحكيم. نقول هذا ونحن نستذكر قوله تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدعّ اليتيم * ولا يحضّ على طعام المسكين * فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون) سورة الماعون. فالشبه كبير بين سورة المدثر وسورة الماعون، لأن التكذيب بيوم الدين كالكفر بوجود الله، يخرج الإنسان من دائرة الإسلام إلى دائرة الإجرام، ولهذا فنحن أميل إلى أن المقصود في السورتين بالمصلين، هو الصلة وليس الصلوة، وأميل في فهم الآيات على النحو الذي أسلفناه، لأن لنا في الصلاة (بالألف) والصلوة (بالواو) قولاً نفصله ثم نعود إلى ما كنا فيه(1).
ونعود إلى سورة المدثر وإلى قوله تعالى: (قالوا لم نك من المصلين).
لقد قلنا إننا نميل إلى اعتبار المصلين في الآية من الصلاة الصلة وليس من الصلوة الركوع والسجود، وذلك بدلالة ما سلف قوله، مضافاً إليه أمرين:
1 - يقول تعالى في سورة المدثر الآية 26: (سأصليه صقر). والمقصود هو الوليد ابن المغيرة، الذي أدبر واستكبر حين سمع التنزيل الحكيم، وقال إنه سحر من قول البشر.
والوليد بن المغيرة بحسب المصطلح القرآني مجرم كافر بوجود الله منكر ليوم القيامة مكذب بالبعث، والله سبحانه سيصليه سقر لهذا السبب. فحين يسأل أصحاب اليمين المجرمين ما سلككم في سقر .. فإن الوليد من بين هؤلاء المجرمين الكافرين بوجود الله المكذبين بيوم الدين!! ونرى من السطحية بمكان أن يجيب الوليد بأن سبب دخوله النار، هو أنه لم يكن من مقيمي الصلوة .. إذ لا تعد الصلوة بجانب الإجرام شيئاً مذكوراً.
2 - لا خلاف في أن سورة المدثر وسورة الماعون من السور المكية، بينما نزلت الصلوة في المدينة المنورة. فكيف يعقل أن يعتبر الوليد نفسه تاركاً لأمر لم يعاصر التكليف به، بل والأكثر من ذلك، أن يعتبرها أحد أسباب دخوله النار. علماً أن ذلك الوقت لم يكن الصحابة أنفسهم قد أقاموا الصلوة.
إن للمجرمين في التنزيل الحكيم صفات مميزة يعرفون بها:
1 - فهم لا يخفون أنفسهم (لا يعرف المجرمون بسيماهم ..) الرحمن 41.
2 - ويضحكون من المسلمين المؤمنين بالله واليوم الآخر ويستهزئون بهم (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) المطففين 29.
3 - وقطعوا كل صلة لهم بالله، بدلالة تسميتهم مجرمين.
4 - ليس لهم وقفة أمام الله في الآخرة، وليس لهم حساب مفتوح عنده، إذ ليس مع الإجرام ذنب (.. ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) القصص 78.
5 - المجرمون المكذبون المستهزئون حصة الله تعالى في الحياة الدنيا، لقوله:
- ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث، سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) القلم 44.
- (إنا كفيناك المستهزئين) الحجر 95.
وهذه الصفات التي اختاروها لأنفسهم، هي التي تدخل بهم إلى أعمق وديان جهنم، وتميزهم عن المسلمين المؤمنين الذين شاب صلوتهم المكتوبة سهو أو غفلة لسبب أو لآخر.
ونختم مقالنا بقولنا إن الإسلام لا يتم إلا بالصلة بالله (الإيمان بالله واليوم الآخر) وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له، وبذلك أموت وأنا أول المسلمين) الأنعام 162، 163.
نلاحظ في آيتي الأنعام أن الصلاة جاءت من الصلة وجاء في آخر الآية ذكر المسلمين. أما قوله (.. وأنا أول المسلمين) فتعني أن الإسلام الذي بدأ بنوح آل إلي أي انتهى بي وإلا فكيف يكون نوح من المسلمين وإبراهيم أبا المسلمين ثم يصبح محمد أول المسلمين؟ هنا الأول بمعنى النهاية والمآل. وهذا ينطبق مع قوله تعالى:
وأنا أول المسلمين ===> اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
وأنا أول المسلمين ==> ولكن رسول الله وخاتم النبيين.
كما ورد في سورة المعارج وهي مكية قوله تعالى:
- (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون) المعارج 19-23. وكذلك قوله تعالى:
- (والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون * أولئك في جنات مكرمون) المعارج 33-35. ونلاحظ أن الصلاة جاءت في الحالتين من الصلة وليس من الصلوة، لأن سورة المعارج من السور المكية.
ونعود لنختم قولنا في الإسلام وأركانه، بوقفه لا بد منها، تبين أسباب اختلاف ما وصلنا إليه من أركان للاسلام، عما هي عليه في كتب الأصول والأدبيات الإسلامية التراثية.
فلقد انطلقنا منذ كتابنا الأول(2) ، من منطلق إنكار الترادف في اللغة، فإذا كان الكتاب عندنا غير القرآن، والبعد غير النأي، والذهاب غير المضي، فالأحرى أن يكون الإسلام غير الإيمان. ورغم أن الناقدين اللغويين-غفر الله لهم- وهموا فيما ذهبنا إليه، وبالغوا في سحب ما قلناه سحباً فاحشاً على ما لم نقله، وحسبوا أننا حين ننكر الترادف ونفرق بين الكذب والافك والافتراء، فنحن نقول ضمناً بالتعارض العمودي بين هذه الألفاظ، وفاتهم أن نفي الترادف يقوم على الفروقات بين الألفاظ وليس على تعارضها وتضادها.
فالجزم والجرم، والجز والحز، والبت والقط، والبتر والشطر، ألفاظ من خندق واحد، هو القطع، إلا أن بينها فروقات، إذا جاز لنا أن نغفلها أو نتغافل عنها في صحفنا ومجلاتنا فلا يجوز ذلك البتة ونحن نتدبر التنزيل الحكيم، وإذا كان غادر وبارح وترك، في مقام واحد متماثل .. وكان أنبأ مثل أخبر، فلماذا نسمي محمداً (ص) نبياً ولا نسميه مخبراً؟
لكن كتب الأصول كلها ترسخ الترادف وتنطلق منه. فالإمام البخاري يستهل "كتاب الإيمان" في صحيحه بقوله:
1 - باب الإيمان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس).
وتابعه من جعل للإسلام خمسة أركان، معتمداً على ما ورد في هذا الحديث بالذات (رقم 8 عند البخاري و16 عند مسلم)، تاركاً جملة من أركانه أخرى، وردت في أحاديث أخرى نسوق أمثلة منها.
- إطعام الطعام خير أعمال الإسلام (رقم 12 البخاري).
- إفشاء السلام خير أعمال الإسلام (رقم 28 البخاري).
- النصح من الإسلام (رقم 58 البخاري).
وليس هذا فقط، بل تم ترك جملة من الأحاديث، تباينت فيها أركان الإسلام فزادت في أحاديث ونقصت في أحاديث، نسوق أمثلة منها:
- بايع جرير بن عبد الله الرسول (ص) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. (رقم 57 البخاري) .
- الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. (رقم 50 البخاري).
- دنا رجل يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله (ص): خمس صلوات في اليوم والليلة .. وصيام رمضان .. وذكر له الزكاة. (رقم 46 البخاري) (رقم 8 مسلم).
- قال رسول الله (ص): بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. (رقم 21 مسلم).
- ثم تابعه من جعل للإيمان خمسة أركان معتمداً على ما ورد في الحديث (رقم 7 مسلم):
- قال رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله. قال: صدقت.
تاركاً جملة من الأحاديث التي زادت في الأركان حيناً وأنقصت منها حيناً آخر، وفي مقدمتها الحديث (رقم 5 مسلم):
- قال رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر.
وليس هذا فقط، بل ترك جملة من أركان الإيمان الأخرى وردت في أحاديث أخرى، نسوق أمثلة منها:
- الإيمان بضع وستون شعبة. (رقم 9 البخاري).
- حب الرسول من الإيمان. (رقم 14 البخاري).
- الحياء من الإيمان. (رقم 24 البخاري).
- الإيمان هو العمل. وأفضل العمل: إيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وحج مبرور. (رقم 26 البخاري) وانظر ( رقم 36 البخاري).
- صوم رمضان من الإيمان. (رقم 38 البخاري).
- قيام رمضان من الإيمان. (رقم 37 البخاري).
- الصلاة من الإيمان. (رقم 40 البخاري).
- اتباع الجنائز من الإيمان. (رقم 47 البخاري).
- أداء الخمس من الإيمان. (رقم 73 البخاري).
وانطلقنا في كتابنا المشار إليه، من منطلق أن التراث البشري الإنساني يبقى تراثاً خاضعاً لما يخضع له التراث من عاديات التلف والضياع، واحتمال الغلط والسهو والنقص، والتأثر بالأهواء السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن منطلق أن التنزيل الحكيم ليس تراثاً، ولا يخضع لما يخضع له التراث. فهو باق ثابت على مدار العصور، يحمل في داخله ما يجعله صالحاً لكل زمان ومكان.
لكن القائلين بتقديس التراث وأصحاب التراث، يصرون على أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويصرون على أن ينظروا في قصص الأنبياء والكتب التوراتية ليعرفوا كيف بدأ الخلق، بدلاً من أن يسيروا في الأرض كما أمرهم التنزيل الحكيم.
وانطلقنا من منطلق أن التنزيل الحكيم هو أساس الأسس، وأصل الأصول، وأنه المحك المعياري الذي يجب أن تقاس عليه كل النصوص الأخرى. ودعونا إلى إعادة قراءته وتدبره وفهمه، قراءة معاصرة حديثة بعيدة عن كل قراءة مسبقة، ومرة أخرى وهم ناقدونا، فحسبوا أننا ندعو إلى نبذ التراث، وإلى رفض السيرة النبوية، وإلى الإقلال من قدر الأئمة السابقين. ولم يفهموا-غفر الله لهم- أن مجرد دعوتنا إلى التمسك بالتنزيل وفهمه وإعادة قراءته، تعظيم وتمجيد للرسول الأعظم الذي جاء به، صلى الله عليه وعلى آله وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

2 - الإيمان والمؤمنون

نبدأ القول في الإيمان، فقرأ قوله تعالى:
- (يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ..) النساء 136.
- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ..) الحديد 28.
- (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد ..) محمد 2.
- (هو الذين أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ..) الفتح 4.
- (.. فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) التوبة 124، 125.
ونلاحظ في الآيات الثلاث الأولى أن فعل آمنوا يتكرر مرتين في كل آية. فلماذا؟ ما معنى أن يخاطب تعالى الذين آمنوا، فيأمرهم بأن يؤمنوا بالله ورسوله .. إلا إذا كان هؤلاء لم يؤمنوا بعد برسوله، والكتاب الذي نزل على رسوله؟ وما معنى أن يأمر تعالى الذين آمنوا بأن يتقوا الله ويؤمنون برسوله .. إلا إذا كان المخاطبون ليسوا من المتقين، ولم يؤمنوا بعد برسوله؟ وما معنى أن يأمر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يؤمنوا بما نزل على محمد .. إلا إذا كمان هؤلاء لم يصدقوا بالرسالة المحمدية بعد؟
ولا نحتاج مع هذه الآيات إلى تأمل كثير، لربط دلالاتها مع ما قلناه عن الإسلام والمسلمين، فإذا فهمنا أن الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، فهمنا أن المقصود بالذين آمنوا في الآيات الثلاث هم الذين آمنوا بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وأن الله يطلب منهم أن يؤمنوا برسوله محمد وما نزل على محمد.
هنا يتضح ما قلناه من أن التنزيل إيمانين، ونوعين من المؤمنين. وأن في التنزيل كفرين مقابلين لهما وردا في قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) النساء 137.
ونفهم أن المسلم قد يكون مؤمناً وقد لا يكون، أي أن المؤمن بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، قد يكون مؤمناً بالرسالة المحمدية وقد لا يكون، لكن لا بد للمؤمن من أن يكون مسلماً أولاً.
ونأتي إلى الآيتين الرابعة والخامسة، لنجد أنهما تتحدثان أيضاً عن إيمانين، وليس عن إيمان واحد يزيد وينقص كما وهم البعض، حين فهموا من (فزادتهم إيمانا) و(فزادتهم رجسا) أنها زيادة انصبت في إناء واحد هو الإيمان، ولم يروا بأساً لتدعيم فهمهم هذا، بالاستشهاد بقول هرقل ملك الروم يرويه ابن عباس (رقم 51 البخاري).
أما نحن فنرى الإيمان إناءين، لا يحتمل كل منهما بذاته الزيادة أو النقص، وشاهدنا في ذلك الآية الخامسة، التي تشبه الكفر بالمرض والإيمان بالصحة، والصحة كالمرض لا تتجزأ ولا تزيد ولا تنقص. ونفهم من الآية الرابعة أن السكينة هي التنزيل الحكيم، وأن المؤمنين هم المؤمنون بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذين امتلأ إناؤهم الأول بهذا الإيمان، ثم نزلت هذه السكينة لتضيف (مع) إنائهم الأول إناء مترعاً آخر بإيمان آخر هو الإيمان بمحمد (ص) وكتابه.
فإذا ما عدنا إلى قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ..) الحجرات 14، وإلى قوله تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا، قل لا تمنوا علي إسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) الحجرات 17. رأينا الربط واضحاً في الآية الأولى بين الإسلام والإيمان، ورأينا الربط واضحاً في الآية الثانية بين الإسلام كإيمان أولي بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، والإيمان كإيمان ثان بالهدى والحق والرسل والكتب السماوية.
وفي الآية الثانية يمن الأعراب على الرسول الأعظم أن أسلموا، فيأمره ربه أن يقول لهم: لا تمنوا علي إسلامكم. لماذا؟
لأن الإسلام هو الفطرة، والفطرة هي الإسلام. فالفطرة التي توحي للنمل أن يدخل مساكنه كيلاً تدوسه الأقدام، وتوحي للسلاحف أن تحفر على السواحل لتضع بيوضها، هي ذاتها التي توحي للإنسان أنما إلهه إله واحد. ونقرؤ قوله تعالى:
- (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) الكهف 110.
- وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ..) النحل 68.
ولما كانت الفطرة من صنع الله الذي فطر الناس عليها، فلا منة لأحد غيره فيها. وذلك واضح في قوله تعالى:
- (ولقد مننا عليك مرة أخرى * إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) طه 37، 38.
والفطرة لا تحتاج إلى رسالة سماوية ولا إلى تعليم، لكن الإيمان من حيث هو شعائر، ومن حيث هو سلوك وعمل، يحتاج إلى هداية وتعليم، والفضل فيه لله الذي أرسل الرسل بالهدى ونور الحق، يعلمون الناس الشعائر التي تقرب العباد من ربهم.
وهكذا نفهم أيضاً قوله تعالى عن الذين كفروا بمحمد (ص) بأن الإسلام هو الحد الأدنى المطلوب من الناس، وذلك في قوله تعالى: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) الحجر 2.
من هنا نرى أن أركان الإيمان لا تتضمن التسليم بوجود الله واليوم الآخر والعمل الصالح، فتلك أركان الإسلام كما أسلفنا التي يجب أن تتوفر في الإنسان المتقدم من دائرة الإسلام إلى دائرة الإيمان. يقول تعالى:
- (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً، حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك وإني من المسلمين) الأحقاف 15.
ونرى أن الإنسان يتجه بفطرته بادئ ذي بدء إلى وجود الله الخالق، فيقوده ذلك إلى الاعتقاد بأن لهذا الكون المخلوق نهاية، بعد ذلك يبحث عن الطريق إلى الله، للتعرف على ما يريده ربه منه، فيصدق بكتبه ورسله التي ترسم له هذا الطريق، ويبدأ بتطبيق الوارد فيها.
وعلى هذا تصبح أركان الإيمان بمحمد (ص) ورسالته تقوم على محاور، نلاحظ أنها توجهت جميعاً في التنزيل الحكيم إلى المؤمنين بالله واليوم الآخر والعمل الصالح:
- الإيمان بمحمد (ص) وبما أنزل عليه.
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد ..) محمد 2.
- إقام الصلاة.
(.. إن الصلوة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء 103.
- إيتاء الزكاة.
(قد أفلح المؤمنون * .. * والذين هم للزكوة فاعلون) المؤمنون 1، 4.
- صوم رمضان.
(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ..) البقرة 183.
- حج البيت.
(.. ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ..) آل عمران 97.
- الشورى.
(والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم ..) الشورى 38.
- القتال في سبيل الحرية ورفع الظلم ولا إكراه في الدين.
كتب عليكم القتال وهو كره لكم ..) البقرة 216.
بعد هذا كله نخلص إلى أن الإسلام أعم من الإيمان، فهو دين عام انساني لكل أهل الأرض، ولهذا سمي الدين الإسلامي وليس الدين الإيماني. ولهذا أيضاً قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) وقال: (ومن يبتغ غير الإٍسلام ديناً فلن يقبل منه).
أما الإيمان فخاض باتباع محمد (ص)، ولهذا سماهم التنزيل المؤمنين، ولهذا أيضاً سمي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ولم يسم أمير المسلمين، وسميت زوجات الرسول أمهات المؤمنين وليس أمهات المسلمين، ونخلص إلى أن أركان الإسلام هي الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح (الأخلاق والمعاملات) وأن أركان الإيمان هي التصديق بالرسل والرسالات والشعائر والشورى والقتال.
وأن الله أخبر رسوله في التنزيل الحكيم بأن كل أهل الأرض لن يكونوا مؤمنين أي من أتباعه، ولا يجوز إكراههم على ذلك بقوله تعالى: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99. ومن هنا نفهم الآية التي زعموا أنها تحوي أركان الإيمان وهي قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير) البقرة 285.
هنا نلاحظ قوله المؤمنون جاءت بعد الرسول، وبما أن أتباع محمد (ص) هم المؤمنون قال (والمؤمنون كل آمن ..) وبما أن أركان الإيمان تكاليف ضد الفطرة جاءت الآية التي تليها تقول (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ..) البقرة 286.
وننتقل بعد أن تبين أمامنا الفرق بين الإسلام والإيمان، لإزالة التناقض بين قوله تعالى: اتقوا الله حق تقاته، وقوله تعالى: واتقوا الله ما استطعتم. يقول تعالى:
- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) آل عمران 102.
- (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ..) التغابن 16.
- (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ..) البقرة 286.
ونفهم أن تكليف، ونفهم أن التكليف يتناسب مع الوسع والاستطاعة ولكن بما أن الاستطاعات تتفاوت من انسان لآخر، فستأتي التقوى متفاوتة من إنسان إلى آخر، وهذا يتعارض مع الآية الأولى التي تأمر الذين آمنوا بأن يتقوا الله حق تقاته، أي بغض النظر عن الوسع والاستطاعة .. فما المخرج هنا؟
والحل ببساطة يكمن في نهاية الآية الأولى وفي أولها. فهي تبدأ الخطاب موجهاً إلى الذين آمنوا، ولما كنا قد أسلفنا بوجود إيمانين في التنزيل، فأيهما المقصود هنا؟
وتأتي نهاية الآية لتوضيح أن المقصود هم المؤمنون بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، أي المسلمون. أما الآية الثانية فموجهة إلى المؤمنين بمحمد ( ص) ورسالته بما فيها من تكاليف.
إن المطلوب في تعاليم الإسلام أن تطبق حق تطبيقها كاملة:
أ- فليس هناك إيمان بوجود الله ما استطعنا.
ب- وليس هناك إيمان نبذل فيه كل جهدنا بأن الساعة آتية.
جـ- وليس هناك اجتناب لشهادة الزور وللغش في المواصفات على قدر الاستطاعة والوسع. كأن يأتينا من يقول إنه بذل جهده بألا يزني فلم يستطع. أو أنه حاول وسعه بألا يقتل فلم يقدر. فنقول له نحن أحسنت، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
من هنا نفهم أننا في القانون الفطري الأخلاقي (أركان الإسلام)، نتقي الله حق تقاته، ولهذا ختم تعالى الآية بقوله (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
أما في أركان الإيمان، فنتقي الله ما استطعنا (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ..)، لاحظ الآية قبلها كيف ذكرت ( المؤمنون) (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ..).
فالمريض يعفى من الصوم لأنه لا يستطيعه، والحج مربوط أساساً بالاستطاعة (من استطاع إليه سبيلا)، والقتال يسقط عمن لا يستطيعه، والزكاة تسقط عمن لا مال لديه، والشورى تطبق بحسب الإمكانيات والتطور التاريخي الموجود إذ ليس ثمة شورى مطلقة، إنما هناك شورى الإيمان بما مطلق والقتال من أجلها نسبي تاريخي، لأن أركان الإيمان تكاليف غير فطرية، لذا فهي تؤدي حسب الاستطاعة والوسع(3).

3 - الاحسان والعمل الصالح

نعود إلى ثالث أركان الإسلام، العمل الصالح، الذي أغفلته كتب الأصول، وأدبيات التراث، فلا هو عندها في أركان الإسلام، ولا هو عندها في أركان الإيمان ونبدأ بقوله تعالى:
- (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) الشورى 13.
ونفهم أن الدين هنا هو دين الإسلام، المعتمد عند الله، والذي لا يقبل ديناً غيره، وهو دين غيره، وهو دين الهدى ودين الحق ودين القيمة، الموحى إلى محمد ( ص)، والذي بدأ بنوح وتراكم وتطور حتى آل إليه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ونفهم أن هذا الدين هو الدين الذي وصى الله به نوحاً، وابراهيم وموسى وعيسى، وطلب منهم إقامته، ونفهم أن ثمة وصية أو وصايا مشتركة، ابتدأت من نوح وابراهيم وموسى وعيسى وحتى محمد وأخذت صيغة التراكم والتطور التاريخي، بدلالة قوله في مطلع الآية (شرع لكم) فما هي هذه الوصايا؟
لقد شرحت في كتابي(4) هذه الوصايا، وأطلقت عليها اسم الفرقان (الأخلاق)، وأشرت إلى تراكمها حتى أصبحت عشر وصايا من نوح إلى موسى وسميتها الفرقان العام، وهي أسس الإسلام، ثم أشرت إلى ما زاد عليها في رسالة محمد (ص) وسميتها الفرقان الخاص. لعل البعض بعد أن يقرأ كتابنا هذا، يميل إلى تسميتها بالفرقان الإسلامي الإيماني. ونوجز ما كتبناه فيما يلي، مستهلين بقوله تعالى:
- (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين إحساناً، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) الأنعام 151.
- (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفساً إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) الأنعام 152.
- (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام 153.
1- التوحيد لا إله إلا الله: وهو أهم ركن من أركان الإسلام، لأن الانسان قد يؤمن بالله وباليوم الآخر، ومع ذلك يقع في الشرك (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف 106. وهذا الركن الذي يبدأ بنوح، هو الذي وصى به إبراهيم بنيه ووصى به يعقوب بنيه في قوله تعالى: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) البقرة 132.
والكفر بهذا الركن ذنب لا يغتفر، ويجعل من الانسان مجرماً كافراً بالله وبالبعث وبالحساب وبالعمل الصالح. والاشراك بالله في هذا الركن أيضاً ذنب لا يغتفر لقوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ..) النساء 48 و116. ونفهم أن كل ذنوب من آمن بالله واليوم الآخر قابلة للمغفرة إلا الشرك بالألوهية (التجسيد) فغير قابل للمغفرة. وهذا الركن هو الذي جداً بنوح واشترك فيه جميع الرسل حتى محمد (ص)، وهو الذي لا إكراه فيه.
2 - وبالوالدين إحسانا: وهو القانون الأخلاقي الفطري رقم (1)، الذي وصى الله به نوحاً في قوله تعالى: (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً ..) نوح 28. ثم زاد عليه في الرسالة المحمدية بند التبني(5) بقوله تعالى: (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) لقمان 14. (ووصينا الانسان بوالديه إحساناً، حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك وإني من المسلمين) الأحقاف 15. (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما) الاسراء 23. ونلاحظ أن الخطاب في لقمان والأحقاف، موجه للانسان عموماً، بفطرته الانسانية.
3 - ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياها: وهو القانون الأخلاقي الفطري رقم (2). وهو قتل الأولاد لأسباب اقتصادية، وقد كرر هذه الوصية كفرقان إيماني أخلاقي خاص بمحمد (ص) في الإسراء 31 بقوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأً كبيراً) ونرى الفرق واضحاً بين الفرقانين العام والخاص، وبين مكارم الأخلاق قبل الرسول الأعظم وبعده، فالنهي عن قتل الأولاد جاء في حالة الضائقة فعلاً (من إملاق)، ثم جاء النهي شاملاً حتى حالات العسر والخوف من ضائقة قادمة (خشية إملاق).
واقتصر تطمين الوالدين أولاً بأن أخذ الله على عاتقه رزق الأولاد، إضافة إلى رزق الوالدين الأساسي. ثم جاء التطمين فجعل رزق الأولاد هو الأساس، وأن الله سيرزق الوالدين كرامة للأولاد، وأن قتل الأولاد سيقطع عنهم هذا الرزق ويعرضهم للوقوع في خطيئة كبيرة. ويجب أن لا نفهم من هذا أن الله يأمر بعدم تحديد النسل وعدم تنظيم الأسرة، لأن الله لم يشترط على الناس عدد الأولاد حتى يرزقهم، أي لم يربط الرزق بعد الأولاد.
4 - ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن: وهو القانون الأخلاقي رقم (3). ولعل هذا القانون من أهم ما يبرز التطور التراكمي في المثل العليا والأخلاق. فقد بدأ بتحريم اللواط عند لوط، تلاه تحريم الزنا عند موسى، وختمه بتحريم السحاق عند محمد (ص). وتطورت عقوبته من الاعدام إلى الجلد، وتغلب الشكل على المضمون في الزنا والسحاق، وترك الشكل والمضمون مفتوحين في اللواط. ونفهم هنا أن العفة من المثل العليا والأخلاق، وأن الأصل في فطرة الانسان العفة.
5 - ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق: وهو القانون الأخلاقي رقم (4). ولعلنا نلاحظ أن الفطرة بالأساس تنفر من القتل وتعافه، وهذا سر العقد النفسية التي يعود بها المحاربون إلى حياتهم اليومية بعد انتهاء الحروب.
6 - ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن: وهو القانون الأخلاقي رقم (5)، الذي أضيفت إليه تعليمات كثيرة في سورة النساء، منها السماح بتعدد الزوجات بغرض رعاية الأيتام.
7 - وأوفوا الكيل والميزان بالقسط: وهو القانون الأخلاقي رقم (6)، ويهدف إلى التقيد بالمواصفات والأوزان والأحجام، وزاد عليها تهديد المخالفين لهذه الوصية في قوله تعالى: (ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) المطففين 1، 2، 3.
8 - وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى: وهو القانون الأخلاقي رقم (7)، ويعني الشهادة الصادقة. ولقد جاءت الرسالة المحمدية في سورة النساء بخير منها في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ..) النساء 135. (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ..) المائدة 8.
9 - وبعهد الله أوفوا: وهو القانون الأخلاقي رقم (8)، ويعني عدم الحنث بالعهود والإيمان (المواثيق). (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) الرعد 20.
10 - وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل: وهو القانون الأخلاقي رقم (9)، ويعني الأخذ بما سبق كوحدة واحدة غير منقوصة، والاشتراك مع باقي الناس يداً واحدة في أتباعها، لأنها قوانين فطرية تحكم أساس التعامل بين أهل الأرض بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم وأن الكبائر هي مخالفة هذه الوصايا.
ولمزيد من التفصيل حول مفهوم (عهد الله) والعهود والإيمان، انظر بحث العباد والعبيد في هذا الكتاب.
هذه الوصايا / القوانين الأخلاقية / الفرقان العام التي كانت منزلة قبل محمد (ص) وجاء برسالته ليكملها. فما هي المثل العليا والفرقان الخاص الذي جاء به خاتم الرسل، ليتم بها الدين والإيمان والعمل الصالح؟
ونفتح التنزيل الحكيم، لنجد العشرات من هذه المثل والقوانين مبثوثة في الآيات، ترسم للإنسان صراط لله المستقيم. وفي مقدمتها إفشاء السلام، واللين في القول، على أن نفهم أن السلام هنا، هو من السلم وترك الحرب وليس التحية كما تذهب الأدبيات الإسلامية.
يقول تعالى:
- (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب ..) الحجرات 11.
- يا أيها الذين آموا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضهم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ..) الحجرات 12.
ومن الواضح أن التنزيل يطلب من المؤمنين أتباع محمد (ص) أن يلتزموا بهذه القوانين الأخلاقية الفطرية، بدليل أنه يأتي بتشبيه فطري لمن يرتكب ذلك فكأنه يأكل لحم أخيه ميتاً، وهذا ما تنفر منه النفس الانسانية بطبعها وبفطرتها الأولى.
وانظر إلى أمثال ذلك وهو كثير في قوله تعالى:
- (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ..) الحجرات 2.
- (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ..) البقرة 188.
- (.. وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى، وأتوا البيوت من أبوابها ..) البقرة 189.
- (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ..) البقرة 264.
- (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ..) البقرة 282.
- (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..) المائدة 1.
- (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ..) النور 27.
- (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا ..) المجادلة 11.
- (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) الصف 2.
- (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولا يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان 67.
ونلاحظ أن لهذه المثل العليا والقوانين الأخلاقية المواصفات التالية:
1 - تمثل الوازع الذاتي للانسان (الضمير) ويتم الالتزام بها من خلال التربية.
2 - هي قيم ذاتية ليس لها وجود خارج الوعي الإنساني، يمكن خرقها بسهولة لأنها ضعيفة بذاتها. لذا يجب تحويلها إلى قيم اجتماعية راسخة، بحيث يتعرض مخالفها أو مرتكبها لنبذ المجتمع واحتقاره.
3 - لا تحتاج إلى بينات في الدعوة إليها، لكونها فطرية تقبل بذاتها ولذاتها. فالصدق والأمانة فضيلة، والغش والكذب رذيلة دونما حاجة لبينات.
4 - لا تخضع للتصويت، ولا تخضع للرأي والرأي الآخر. بمعنى أنه لا يجوز لي اعتناق الكذب وعقوق الوالدين، لمجرد أن الآخر يرى القول بالصدق وبر الوالدين. ولا ننسى أبداً أن العمل على ترسيخ هذه القيم وتعميقها لا يعني البتة نفي نقيضها من الوجود. فالإسلام دين واقعي لا مكان فيه للوهم الطوباوي، ربط الخير والشر في هذا الوجود بظاهرة الموت في قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون) الأنبياء 35. بمعنى أن مثل الطامع بالغاء الشر كمثل الذي يطمع بالغاء قانون الموت وهذا محال.
5 - هي قيم تحمل الطابع الكوني الشمولي، تكمن حنيفتها في طريقة التعبير عنها لا في محتواها، وتخضع للإضافات تحت باب الحكمة التي لا تحتاج إلى وحي، ولا تنقطع على ألسن الحكماء، فهي محصلة خبرات الشعوب المتراكمة على مدى مسيرة التاريخ. إذ أن التاريخ أكبر حكيم واعظ يمثل خبرات الشعوب.
هكذا نخلص إلى تلخيص ما فعلته الأدبيات الإسلامية بالثقافة العربية الإسلامية وبالفكر الإسلامي اليوم:
حين ربطت مفهوم الدين والتدين بشعائر الإيمان باعتبارها من أركان الإسلام بعيداً عن المعيار الأخلاقي الذي ينطبق على معظم سكان الأرض، فأصبح الحكم على دين الانسان يتم بدلالة صلاته وصيامه، مهما كان شكل تعامله مع الناس اقتصادياً واجتماعياً.
وحين خلطت الحلال والحرام (وهو شرع إلهي) بالمسموح والممنوع (وهو قانون وضعي) بالمعروف والمنكر (وهو أعراف وتقاليد اجتماعية) بالحسن والقبيح (وهو ذوق فردي). حتى صار وجه المرأة حراماً .. وصوتها حراماً .. والموسيقى والنحت والتصوير حراماً .. والتثاؤب بفم فاغر حراماً لأنه يدخل الشيطان .. وقص الأظافر في الليل حراماً ..

وحين ألفت العديد من المجلدات في فقه الشعائر التي سمتها عبادات، ثم اختصرتها، ثم شرحت مختصرها، ثم أوجزت شرح المختصر، مع أن شعائر الإيمان بمجموعها من الوضوء إلى الصلاة والزكاة والصيام والحج سهلة بسيطة، جاءت إلى العالم والجاهل والكبير والصغير، بينما لم يحظ الجانب الأخلاقي بمثل هذا الحيز والتفصيل، فأخذ الوجه الشعائري من الدين (أركان الايمان) الأولوية المطلقة على الوجه الأخلاقي )أركان الاسلام)، حتى انعكس ذلك في التربية المنزلية التي هي الأساس في تنشئة الطفل، فأصبح إفطار يوم من رمضان، أكبر كثيراً من الكذب.
لقد أوردنا في كتابنا المشار إليه سطوراً عن الأخلاق، رأينا من المفيد أن نختم بها بحثنا هذا:
الأخلاق: هي قانون روحي اجتماعي يربط أفراد بني الانسان بعضهم إلى بعض لكونهم مجموعة إنسانية لا حيوانية، بغض النظر عن البنية الاقتصادية للمجتمع الانساني. لذا تحمل الأخلاق الصفة العالمية الشمولية.
وبما أن الأخلاق تأخذ الطابع الشمولي الكوني "كونية الأخلاق"، فقد جاءت وحياً من الله تعالى. أما الأعراف فقد ذكرها الله في الكتاب دون أن يفصلها لأنها متغيرة. وقد جاءت الأخلاق الاجتماعية في الوصايا "الفرقان" من زمن موسى وإلى عيسى وإلى محمد (ص) وهي ما زالت سارية المفعول إلى يومنا هذا عند شعوب الأرض بغض النظر عن بنيتها الاقتصادية وبيئتها وأعرافها. لذا فإن الأخلاق هي القاسم المشترك في العلاقة بين الانسان وأخيه الانسان ولها صفة التأثير في السلوك الانساني حيث أنها تؤثر في شكل الأعراف.
هذا ما يجب أن يعرفه الانسان العربي المسلم عن البنية الأخلاقية للمجتمع الذي يعيش فيه حيث أن التزامه الاجتماعي تجاه مجتمعه خاصة وتجاه الانسانية عامة هو التزام أخلاقي قبل أن يكون التزاماً قانونياً.
هناك من يخلط عن عمد أو غير عمد بين الأخلاق وبين الأعراف، حيث يقول إن الأخلاق هي بنية فوقية لبنية تحتية هي العلاقات الاقتصادية. فالأخلاق "الوصايا" التي جاءت بها الأديان الثلاثة هي بنية لعلاقات اقتصادية خاصة، وعندما تتغير هذه البنية تتغير الأخلاق. هذا الكلام لم نجن منه إلا خيبة الأمل لأن هذا الصرح ينتج عنه أن يتحلل الانسان من الوصايا.
فالسؤال الذي يطرح نفسه: أين البديل؟ البديل هو نبذ الأخلاق والوصايا فينتج عن ذلك إباحة قتل النفس وعقوق الوالدين والإخلال بالمواصفات وشهادة الزور وانتشار الفاحشة، حيث أن هذه الأحداث والوقائع بينت أن هذا البديل الذي يؤدي إلى أن يقع المجتمع في أزمة أخلاقية تعصف به وتحطمه. وعليه يتوجب على العربي المسلم أن يعلم أن الالتزام بالوصايا هو التزام أخلاقي انساني لا علاقة له البتة بالنظام الاقتصادي والبيئة لأنه لا بديل لهذه الوصايا.
لذا أعطاها الله سبحانه وتعالى هذه الأهمية ووضعها تحت عنوان خاص هو "الفرقان" وجاءت في سورتين من السور المكية سورة الأنعام وسورة الإسراء. وأضاف إليهما تعليمات أخلاقية جاءت إلى محمد (ص) ولم تأت إلى رسول قبله، حيث أضاف لها تشريعات جديدة، وعدل تشريعات قديمة. أي أن هناك دين واحد جاء لأهل الأرض هو الإسلام، بدأ بنوح وتراكم وتطور إلى محمد (ص). وفي هذا المفهوم يوجد في الإسلام (نوح – محمد) ناسخ ومنسوخ، أما القول بأن الإسلام بدأ بمحمد وختم بمحمد (ص)، فهو عندنا ليس بشيء، وأنه بالرسالة المحمدية بالذات لا يوجد ناسخ ومنسوخ. وكذلك في أية رسالة جاءت إلى رسل قبله، أي أن الناسخ والمنسوخ يأتي على سلم الرسالات المتعاقبة كلها.

(1) لقد رأينا أن من الضروري توضيح معنى الصلاة، جرياً وراء التوفيق ورفع اللبس بين قوله تعالى في سورة الماعون (فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون) واعتبار هذا القول موجهاً للمتقاعس عن أداء الصلاة بأوقاتها، كما ترى كتب التفسير، وبين قوله تعالى في سورة المرسلات (ويل يؤمئذ للمكذبين * … * كذلك نفعل بالمجرمين).
واللبس يتلخص في أن الله سبحانه يتوعد المؤمن المتقاعس عن الصلاة بالويل (وهو واد سحيق من وديان دهنم)، ويتوعد به في ذات الوقت المجرمين المكذبين. ومن المستحيل أن يستوي في عدل الله سبحانه المسلم المؤمن المقصر في أداء الشعائر، والمكذب المجرم الكافر بوجود الله والمنكر للبعث ولليوم الآخر، وهو الذي يقول في محكم تنزيله:
- (أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون) القلم 35، 36.
والحل في رأينا، يكمن في مفهوم الصلاة ذاتها.فقد وردت الصلاة في التنزيل الحكيم بمعنيين محددين يختلف أحدهما عن الآخر في الشكل، ويلتقي معه في المضمون، فالصلاة في الحالتين صلة بين العبد وربه أساسها الدعاء. ولكن هذه الصلة أخذت منذ ابراهيم شكلين هما:
1 - صلة بين العبد وربه قالبها الدعاء، لا تحتاج إلى إقامة وطقوس، يؤديها كل إنسان له بالله صلة على طريقته الخاصة. (وقد وردت في التنزيل الحكيم " الصلاة" بالألف).
2 - صلة بين العبد وربه، لها طقوس وحركات محددة خاصة بها، كالقيام والركوع والسجود والقراءة، وتحتاج إلى إقامة، أي على الإنسان أن يقوم ليؤديها. ( وقد وردت في التنزيل الحكيم "الصلوة" بالواو). وهي من شعائر الإيمان.
فإذا أردنا أن نفرق بين كل من هذين المعنيين في التنزيل الحكيم، فما علينا إلا أن ننظر في قوله تعالى:
- (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والإبصار) النور 37. هنا الصلوة (بالواو).
وفي قوله تعالى:
- (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه، والله عليم بما يفعلون) النور 41. هنا الصلاة (بالألف).
ونلاحظ أن الصلوة وردت في الآية الأولى بالواو، وبعد فعل الإقامة، ونفهم هنا أنها بمعنى القيام والركوع والسجود، أما في الآية الثانية، فقد وردت الصلاة بالألف ( صلاته)، والحديث فيها عن الطيور. ولما كنا نعلم أن الطيور لا تقيم الصلوة الطقسية المحددة بالركوع والسجود والقيام والقعود، فإننا نفهم أنها هنا بمعنى الصلة مع الله. وهي صلة تسبيح ودعاء يعلمها الطير ولا نعلمها نحن، لولا أن أخبرنا تعالى بها وبوجودها.
نخلص إلى أن التنزيل الحكيم قد ميز في النطق سماعاً من جبريل وفي الخط كتابة بعد التدوين، بين الصلوة والصلاة. ليدلنا على وجوب تمييز المعنى المقصود من الأولى وأنها القيام والقعود والركوع والسجود، والمعنى المقصود من الثانية وأنها صلة تسبيح ودعاء تنبع من إقرار بوجود صلة بين العبد وربه.
فإذا وقفنا أمام قوله تعالى:
- (إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب 56.
وفهمنا أن فعل "يصلون" وفعل "صلوا" هو من الصلوة، يصير معنى الآية أن الله وملائكته يقومون ويقعدون ويركعون ويسجدون على النبي، سبحانه وتعالى علواً كبيراً. وأن على الذين آمنوا أن يركعوا ويسجدوا أيضاً على النبي.
ولكن الفعلين في الآية من الصلاة، أي الصلة، فيصبح معنى الآية أن هناك صلة بين الله وملائكته من جهة، وبين النبي من جهة ثانية، وأن الله يطلب من المؤمنين أن يقيموا صلة بينهم وبين النبي، قال بعضهم إنها الدعاء. وأنا أرى أنها أكثر من ذلك، ففي أذان الصلوة ذكر لله والرسول، وفي القعود الأوسط والأخير ذكر للنبي ولإبراهيم. ذكر النبي لأنه أبو المؤمنين، وذكر إبراهيم لأنه أبو المسلمين.
وأرى أن الله وملائكته يصلون على النبي، والمطلوب منا نحن أن نصلي عليه ونسلم. ومن هنا فإن من الخطأ الفاحش أن نقول "اللهم صل وسلم على محمد" أو أن نقول "صلى الله عليه وسلم" لأن الله يصلي على النبي ولا يسلم، والمطلوب منا نحن أن نصلي ونسلم.
فالقاسم المشترك بين الله وملائكته من جهة، والمؤمنين من جهة أخرى هو الصلاة على النبي، إلا أن ثمة خصوصية للمؤمنين فقط هي التسليم، ولهذا قال (.. وسلموا تسليما) ولم يقل (وسلموا سلاما).
أي أن علينا نحن المؤمنين أن نسلم بوجود هذه الصلة بين الله وملائكته والنبي، وبيننا نحن وبين النبي فالتسليم هو الإذعان والقبول بلا قيد ولا شرط، كما في قوله تعالى:
- (يا أيها الذين آموا اذكروا الله ذكراً كثيراً * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور، وكان بالمؤمنين رحيما) الأحزاب 41، 42، 43.
الله وملائكته هنا يصلون على المؤمنين .. فهي ليست صلوة، بل صلة وصلاة عمودها الهدى وقائمها الرحمة.
ونتابع قوله تعالى:
- (إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب 56.
الله وملائكته هنا يصلون على النبي، باعتبار النبي من المؤمنين الذين خاطبتهم الآية 43، ثم يأتي أمر الله للذين آمنوا أن يصلوا هم أيضاً عليه ويسلموا تسليما.
ويقف المؤمنون حائرين .. لأن صلاة الله وملائكته على النبي هدى ورحمة، وهم لا يملكون للنبي هدى ولا يملكون له رحمة .. فكيف يصلون عليه؟ .. وتنزل الآيتان بعدها مباشرة:
- (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا * والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوه فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا) الأحزاب 57، 58.
هنا اتضحت الصورة وتلاشت الحيرة وانكشف اللبس. فالله وملائكته يصلون على المؤمنين رحمة وهدى، ويصلون على النبي باعتباره من المؤمنين أيضاً رحمة وهدى، وهذا كله منسوباً إلى الله ومن زاويته. أما من زاوية المؤمنين، فهم مأمورون بالصلاة على النبي. لكن النبي بالنسبة إليهم رسول، وإذا ما أمرت الآية 58 بكف الأذى مطلقاً وبكل أنواعه عن المؤمنين والمؤمنات والنبي من بينهم، فإن الآية 57 تشير إلى أن إيذاءه كرسول أبلغ أثراً، وأشد عند الله عقاباً، فالذي يؤذي الرسول يطرد من الرحمة (التي وردت في الآية 43) في الدنيا والآخرة. ويتعرض لما أعده الله له من عذاب مهين.
أما ما تورده كتب الأخبار من أن بعض الصحابة سأل رسول الله (ص) حين نزلت الآية، وتوهم أن المؤمنين مأمورون بصلوة الركوع والسجود على النبي، فليس عندنا بشيء.
لقد ورد الأصل (صلو) ومشتقاته في التنزيل الحكيم 99 مرة، جاء لفظ (الصلوة) بالواو في 67 موضعاً منها. ونلاحظ في هذه المواضع أن الصلاة ارتبطت بالإقامة حيناً وبالزكاة حيناً أو دل سياق الآية بمعناها العام أن المقصود هو القيام والقعود والركوع والسجود، وليس الصلة.
واقرأ معي قوله تعالى:
- (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون) البقرة 3.
- (وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلوة والزكاة ما دمت حيا) مريم 31.
- (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل أنتم منتهون) المائدة 91.
أما حين تأتي مضافة فنجدها حيناً بالواو وحيناً بالألف.
- (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم، إن صلوتك سكن لهم، والله سميع عليم) التوبة 103.
- (قل ادعوا الله وادعوا الرحمن، أيا ما تدعون فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) الإسراء 110.
لكنها في الحالتين لا تخرج عما ذكرنا. فالصلوة في التوبة، والصلاة في الإسراء هي الصلة بالدعاء، كما هو واضح.
وكما أن فعل الصلاة والصلوة واحد، صلى / يصلي / صل/ يصلون، فكذلك الجمع منهما واحد. فالصلوات جمع الصلاة بمعنى الصلة، والصلوات جمع الصلوة بمعنى الركوع والسجود. يقول تعالى:
- أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون) البقرة 157.
- (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ..) التوبة 99.
وهي هنا جمع الصلاة بمعنى الصلة.
- (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا لله قانتين) البقرة 238.
وهي هنا جمع الصلوة وهي الركوع والسجود. ومن المفيد أن نشير استطراداً إلى أن المقصود بالصلوة الوسطى في الآية، هي الصلوة المعتدلة الخاشعة المطمئنة التي تكاملت أركانها بلا إفراط ولا تفريط، وليست صلوة العصر كما يحلو لبعض المفسرين أن يزعموا.
فإذا سأل سائل عن قوله تعالى:
- (قالوا يا شعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ..) هود 87.
- (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحق، إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم الصلوة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء) ابراهيم 39، 40.
وهذا يعني أن الصلوة بركوعها وسجودها وقيامها وقعودها كانت معروفة منذ ابراهيم .. فأين ضاعت هذه الصلوة ولم تصل إلى عهد النبي (ص)؟ نقول، لقد جاء جواب ذلك في صورة مريم بقوله تعالى:
- (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا، إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا) مريم 58، 59.
ونفهم هنا ان صلوة الركوع والسجود التي كانت عند ابراهيم واسماعيل وشعيب وعيسى وزكريا قد ضاعت عند الخلف من بعدهم، لكن صلاة الصلة بالله بقيت موجودة ولم تنقطع، بدليل قوله تعالى عن مشركي العرب:
- (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ..) لقمان 25.
فالمشركون يعرفون أن الخالق هو الله، وعلى هذا فقد سماهم التنزيل مشركين ولم يسمهم مجرمين، واعتبروا عبادتهم للأصنام نوعاً من الصلة مع الله في زعمهم، لقوله تعالى:
- (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ..) الزمر 3 .

(2) "الكتاب والقرآن / قراءة معاصرة". دار الأهالي، دمشق 1990.
(3) لعل من المفيد أن نشير إلى أمر قد يقف قارئ التنزيل الحكيم عنده، يخص الاستطاعة، هو هذه التاء التي نجدها أحياناً في فعل استطاع، ولا نجدها أحياناً أخرى في فعل استطاع.
إذا نظرنا في كتب تدريس اللغة العربية لأطفالنا في المرحلة الابتدائية والاعدادية والثانوية، وجدناها تتحدث عن أحرف زائدة. فهناك (من) زائدة، و(لا) زائدة، و(ما) زائدة و(باء) زائدة. ووجدناها تطلب من الطالب في بحثه عن الكلمة بالمعاجم أن يجردها أولاً من أحرف الزيادة.
وإذا نظرنا في المعاجم، رأيناها تقول مثلاً: استطاع الشيء واسطاعه: أطاقه وقدر عليه وأمكنه. أي أنها تعطي الفعلين معنى واحداً إلا أن علماء فقه اللغة قالوا بأن الألف والسين والتاء تعني الطلب (طلب الشيء).
ويفتح الطالب التنزيل الحكيم ليقرأ .. وهو يحمل في رأسه سلفاً قاعدة تقول إن ثمة حروفاً زائدة في العربية، لا يتغير معنى الكلمة بوجودها أو نحذفها. وأن استطاع واسطاع فعلان، لهما دلالة واحدة .. فلا يستطيع أن يتصور كيف يكون التنزيل الحكيم خالياً من الحشوية، وفيه هذه الحروف الزائدة!!
يقول تعالى :
- (فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) الكهف 97.
- (.. وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) الكهف 82.
- (قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) الكهف 75.
فما هو حكم التاء هنا؟ وإذا كانت ثمة حروف زائدة في علم التقعيد، فهال هي زائدة في علم الدلالة وعلم المعاني؟ وهل هناك فرق بين اسطاعوا واستطاعوا، وبين تسطع وتستطيع، في الآيات الثلاث، يمكننا أن نقول معه: صدق الله وكذبت المعاجم؟ فإذا عرفنا الفرق أيقنا بعد أن نتبينه أن التنزيل خال من الحشو فعلاً وحقاً؟
ونعود إلى الآية الأولى، لنرى أن قوم ذي القرنين، بعد أن بنى لهم السد، لم يتمكنوا من اعتلاء ظهره (بظهروه)، ولم يقدروا على خرقه (نقبا). وننظر في الفرق بين عملية اعتلاء ظهر جبل أو سد وعملية نقبه وخرقه، فنجد أن القدرة التي يجب بذلها في النقب أكثر كثيراً من تلك التي تبذل في التسلق. فالتسلق على ظهر جبل هملايا مثلاً أهون كثيراً من حفر نفق فيه لنقبه من طرف إلى طرف. ونفهم أن التاء في استطاعوا، إنما جاءت للدلالة على الجهد والطاقة المبذولة في هذا الفعل، التي هي أكثر من الطاقة المبذولة في فعل اسطاعوا.
بهذا الفهم، وعلى هذا الأساس نعود لنقرأ الحوار بين موسى والعبد الصالح، كما ورد في سورة الكهف.
يقابل موسى العبد الصالح عند الصخرة، ويطلب مرافقته ليتعلم، فيجيب العبد الصالح: إنك لن تستطيع معي صبرا، أي مهما بذلت من جهد وعناء، فلن تقدر على احتمال مرافقتي. ثم يمضي الاثنان .. وبعد أن يخرق العبد الصالح السفينة ويقتل الغلام ويقيم الجدار .. وموسى يحتج في كل مرة، يحسم العبد الصالح الصحبة قائلاً: (هذا فراق بيني وبينك، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا).
أي بتفسير ما لم تقدر على احتماله رغم ما بذلت من جهد. ويمضي العبد الصالح في تبيين أسباب خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، وأن ما فعله كان بأمر الله. ثم يختم حديثه مودعاً: ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا!! فما الذي حدث؟
لقد قرر العبد الصالح في الآية 78، أن موسى لم يستطع الصبر رغم كل ما بذله من جهد في مغالبة نفسه، بدليل ثبوت التاء في الفعل .. ثم عاد في الآية 82 ليقول إنه لم يبذل أي جهد، أو على الأقل بذل جهداً متواضعاً، في توطين نفسه على الصبر، بدليل حذف التاء من الفعل، وكأن ثمة تعارضاً في القولين.
ونحن نقول ليس ثمة أي تعارض أو تضاد. فموسى بذل كل ما بوسعه فعلاً وحقاً في الصبر على ما يرى من أفعال العبد الصالح قبل أن يعرف تأويلها. أما بعد أن عرف، فقد بدا وكأنه كان متسرعاً بالاحتجاج، ولو أنه بذل مزيداً من الجهد في الصبر، لجاءه التأويل. والأمر كما نراه أشبه بمتسابق معصوب العينين، طلب منه السير في ممر لا يعرف طوله، ينتهي بجائزة قيمة، فيبذل المتسابق ما بوسعه وهو يمشي ويبحث ثم يسقط إعياء، ليكتشف بعد أن يرفع العصابة عن عينيه أنه على بعد خطوة واحدة من النهاية والجائزة فيصيح آسفاً: لو أنني بذلت من الجهد شعرة إضافية لفزت!! ولكن السؤال الأبدي الخالد يبقى قائماً: كان بوسع وباستطاعة وبمقدور هذا المتسابق أن يخطو خطوته الأخيرة، وهو لا يعرف أنها الأخيرة؟
نستعرض الآن بعض الأمثلة من الأفعال في اللغة، وندخل عليها هذه التاء التي سميناها تاء الجهد تاء الاستطاعة، ونرى إن كانت تؤدي المعنى الذي أشرنا إليه.
1 - خرج .. تخرج واستخرج، فنحن نقول خرج زيد من الجامعة ونعني غادرها. أما قولنا تخرج من الجامعة، فهذا يعني أنه درس فيها وأدى الامتحانات ونال الشهادة.
ونقول أخرجت الأرض غلتها، فالجهد في الاخراج عادي، أما حين نقول استخرجنا المعادن من المنجم، فالجهد المبذول في الاستخراج أكبر لأنه يحتاج إلى حفارات ومكاسر وأفران ووسائط ومل ذلك قوله تعالى: (.. وتستخرجون حلية تلبسونها ..) فاطر 12. فنحن نحتاج ليضع على اللؤلؤ وعلى الأحجار الكريمة من البحر إلى شباك ومعدات وأجهزة غوص وسفن وقوارب.
2 - عرف .. تعرف. فالمجرمون يعرفون يوم الساعة بسيماهم دون جهد، أو بجهد قليل، لكن السلطات تتعرف على المجرمين في الدنيا بكثير من الجهد، الذي تحتاج معه إلى أرشيف وإلى بصمات وإلى مخابر تحليل.
3 - يقول الرسول الأعظم: اختلاف أمتي رحمة. صدق الله، إذا لم يقل خلاف مني جمع والفرق بين الخلاف والاختلاف واضح. فالخلاف انفعال عاطفي فوري، يصدر دون تفكر وبعد أما الاختلاف فهو عدم التقاء في الرأي قائم على الدراسة والتدبر وتقليب الأمور على كل وجوهها، يتم بعدها تقديم رأي مختلف وليس بالمخالف. فما أروع وأسمى الاختلاف، وما أسوأ الخلاف.
4 - وكذلك حمل .. تحمل، بعد .. ابتعد، حل .. احتل، ذكر .. تذكر، سل .. استل.
5 - هنا نفهم أن التاء حين تدخل على الفعل، تعني أن جهداً اضافياً بذل فيه، ومن هنا أيضاً نفهم فعل تجر. فهو بالأساس جر، والجر نقل الشيء من مكان إلى آخر، فإذا أضفنا إليه التاء دلت على جهد إضافي بذل في الجر، وهذه هي التجارة والمتاجرة.
فالتاجر هو الذي ينقل البضائع من مكان إلى آخر (يجرها)، ثم يفتح دكاناً، وينظم حملات دعاية، ويستخدم البائعين والكتبة فيه، ويرصد لذلك كله رؤوس أموال، وكلما زاد الجهد المبذول في التجارة زاد مردودها.