سيدي الدكتور الفاضل : رغم اعجابي بمنهجك و اقتناعي بصحة العديد من النتائج التي توصلت اليها, فانني لم اقدر ان اوافقك على بعضها الاخر. من ذلك ما يتعلق بموضوع الربا و كون حرمته تتعلق فقط باصحاب الصدقات. فقد ذكرتم في كتابكم "نحو اصول جديدة للفقه الاسلامي" و في باب "الاخلاق" ما يلي: "أما العلاقة بين الربا والصدقات فقد نبهنا إليها سبحانه في سورة البقرة 276، مباشرة بعد تحليل البيع وتحريم الربا في البقرة 275، لنفهم أي بيع هو الحلال، وأي ربا هو الحرام. ولو لم تكن ثمة علاقة قادتنا إلى قول ما قلناه، لما بقي معنى لتحليل البيع عموماً لكل أهل الأرض، وهو حلال لم يسبق تحريمه بالأصل. ولو أنه سبحانه لم ينبه إلى حلالية البيع لأصحاب الصدقات والربح منهم، لالتبس الأمر، وتعرقلت عملية البيع والشراء في المجتمع، إذ سيترتب على كل بائع أن يفرز المشترين ليعرف أصحاب الصدقات من بينهم فيبيعهم بسعر الكلفة، وهذا مستحيل." و مما تعلق عليه اهمية في استنتاجاتك هو "...ولو لم تكن ثمة علاقة قادتنا إلى قول ما قلناه، لما بقي معنى لتحليل البيع عموماً لكل أهل الأرض، وهو حلال لم يسبق تحريمه بالأصل.." و هو امر ادهشنتني كيفية توصلك اليه مع انك بهذا القول "تخون " منهجك ذاته, حيث انه تعالى قد استخدم ذات الاسلوب في العديد من ايات الكتاب دون ان يكون بامكاننا ان نحّمل الكلام اكثر مما يحتمل. و سادلل على ما أدعيه بأمثلة: الايات 4و5 من سورة المائدة و فيها ان الله قد احل الطيبات و...فهل كانت هذه الطيبات حراما قبل نزول هذه الايات ؟ الايه 96 من المائدة تحلل صيد البحر و طعامه , فهل كانا حراما قبلها ؟ الاية 30 من الحج تحلل الانعام , فهل كانت حراما قبلها ؟ و الجواب كما ارى هو بالنفي. و بالتالي فليس من مبرر لتحميل عبارة "احل البيع" اكثر مما تحتمل, و بالتالي فما يتلو ذلك لديكم من استنتاجات متعلقة بالربا غير موفقة. هذا ما يتعلق بالجانب الشكلي من الموضوع . أما بخصوص لب موضوع الربا بالشكل الذي تطرحه فهو كما اعتقد و كما ارى غير صحيح ايضا. فان يكون الربا حراما مع من يستحق الصدقة و حلالا في غير ذلك هو امر يفترض ان الاغنياء و الفقراء يعيشون في عالمين منفصلين اقتصاديا , و هذا امر لا يتوافق مع الواقع فالدورة الاقتصادية لبلد ما تشمل الغني و الفقير و صاحب المصنع و العامل و المزكي و المتزكي و المتصدق و المتصدق عليه, فما يجري عند قسم منهم يؤثر على ما يجري عند القسم الاخر. و ساحاول ان اثبت لكم ان الربا سيؤثر سلبا على الفقراء حتى و لو تم تعاطيه بين الاغنياء فحسب, و ساستخدم في برهاني اسلوب نقض الفرض و ذلك بأن اطرح مثلا. لنفترض ان الربا بالشكل الذي تطرحه صحيح اسلاميا,ولنفترض ان زيدا رجل ميسور الحال من غير مستحقي الصدقات, و انه اراد ان يقوم بتجارة فاحتاج مالا فقصد عمرا ,الذي هو بدوره رجل غني, ليقترض منه بفائدة مبلغا كبيرا من المال و بفائدة لا تبلغ الضعف و لنقل خمسين في المئة " و هو امر مباح حسب الفرض" , و لنفترض بعد ذلك ان تجارة زيد لم تربحه شيئاو لم تخسره و لكنه مع ذلك يتوجب عليه ان يرد القرض الذي اقترضه من عمرو مع الفائدة , فما دام القرض كبيرا فستكون الفائدة ايضا كبيرة و سيكون ملزما ان يرده مع ذلك. فلو لم يكن ثمة فائدة اضافية يتوجب عليه ردها لعاد زيد الى الحال الذي كان عليه قبل مشروعه, و لكن مع وجود الفائدة , و التي هي كبيرة حسب فرضنا, فانه قد لا يعود من بين الاغنياء المتصدقين و قد ينضم الى طائفة مستحقي الزكاة و الصدقة . فيكون عدد الاغنياء قد نقص واحدا بينما زاد عدد الفقراء بالقدر ذاته. و هي نتيجة لا اظنك ترى ان الله تعالى يسعى الى ان نبلغها. و الخلاصة : فالربا كما اعتقد و ارى حرام" الا لمن اضطر" فهي تجعل من المال بذاته جالبا اتوماتيكيا للمال مثلما تتجاذب الاجرام المادية بعضها الى بعض. بينما من المفترض ان يكون المال جزاء لعمل انساني. بينماربح التجارة التي تحتمل الخسارة من حيث المبدأ فهو اجر لعمل. و لهذا فقد "احل الله التجارة و حرم الربا" و اعود فأوكد على تقديري لمنهجك العام , و لشخصك الكريم رغم بعض التحفظات. و كلي ثقة برحابة صدرك و بأنك من المعتقدين بان الحقيقة ضالة المؤمن . |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق