الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

الأسئله والأجوبه 26

لاسم ماس البلد -
مرحبا بالدكتور القدير، والمفكر الكبير محمد ديب شحرور بيننا، وإليك سيدي أسألتي راجيا طول بالك وكرمك ..
1- هل تعتقد بأن رفضك للسنة النبوية -الصحيحة- كمبيّن ومقيّد ومفصّل وكمفسر مساند لآيات القرآن الكريم، واعتبارك أنها -أي السنة- اجتهاد من الرسول لسنا بلمزمين به، قد أضر قضيتك التنويرية العظيمة كثيرا ؟! بمعنى أنني شخصيا أميل وأتفق وأقتبس بل وأحيي أفكارك ورؤياك في القضايا المعاصرة كآرائك في الاستبداد ونتائجه، الديموقراطية، الأمة والدولة، الحرية والشورى، الجهاد، المرأة، فصل الدين عن الدولة، والتعددية، والقضاء. وفي عناصر التجديد في الفكر الاسلامي كآرائك في تعريف الاسلام، وأزمة العقل العربي، والعروبة والاسلام، والفرق بين الاسلام والايمان، وأزمة الفقه الاسلامي، وآرائك في الأعمار والأرزاق والأعمال والقضاء والقدر، الخ. انما أجد صعوبة صراحة في تقبل آرائك في القيامة والبعث والصور والساعة والسّبع المثاني الخ. والتي أتحفظ عليها تماما.!
2- هل يصح أن نقول بأن الدكتور شحرور معتزلي أو أقرب في أفكاره للمعتزلة ؟
3- برأيك مامدى ضرورة المنهجية العقلانية والروح النقدية للمجتمعات العربية الآن ؟ ثم هل تتفق مع ماذهب إليه الجابري بأن الفلسفة مرادفة للعقلانية وللروح النقدية، من حيث ضرورتها للمجتمعات العربية بالوقت الحاضر ؟
4- - هل لدى الدكتور شحرور نية لمشروع في نقد العقل العربي الديني، كما ذهب أركون والجابري ؟ خاصة وأن للدكتور شحرور تطرق سابق -بسيط- لهذه الجزئية (الأزمة) في عجز كتاب "الكتاب والقرآن".! ثم على أي طريقه يفضله -أي نقد العقل الديني- هل على طريقة كانط "في نقد العقل الخالص"، أم على طريقة سارتر "نقد العقل الجدلي"؟
5- حاول أركون الاجابة على سؤال "أين هو الفكر الاسلامي المعاصر ؟" .. فماذا يقول الدكتور شحرور كإجابة مقتضبة على السؤال ذاته ؟
6- إذا كانت البنية الفكرية المتخلفة السائدة في الوطن العربي تؤثر من جهة فتنشر فكرا لا عقلانيا وتؤثر من جهة أخرى حتى في الفكر الذي يود أن يكون عقلانيا فتحرفه لكي يأخذ اتجاها غير عقلاني، فكيف يمكن الخروج من هذا الدور ؟
7- سؤال "هام" ذو صلة بسابقه .. في ظل إفلاس الفكر الذي تستند إليه حركات الإحياء الديني وبدائيته وخوائه، وتهافت الفكر العلماني وبدائيته وخوائه. ما المخرج برأيك من هذا الإفلاس وهذا التهافت.؟! وكيف نربط دعوات كاعادة فتح باب الاجتهاد، واحياء علوم الفلسفة والكلام، وتطبيق الدعوات الرومانطيقية التي تدعو الى تطبيق أسس فقه الاختلاف، والتعددية المذهبية، والانتصار لفكر عصور التدوين بدلا من فكر عصور الانحطاط، ..، كيف تربط جميع تلك الدعوات السابقة بالسؤال المباشر.؟!
8- كان الامام الشاطبي أول واضع لنظرية في مقاصد الشريعة، ثم كانت محاولات عدة من علماء أصول الفقه لتجديد النظرية لكنها ظلت أسيرة لخطاب ديني تقليدي، فهل للدكتور شحرور قراءة جديدة للمقاصد الكلية للشريعة ؟ وماهي خطوطها العريضة ؟
9- مارأيك في كل من:
* كتاب النص والسلطة والحقيقة: إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة لنصر حامد أبوزيد.
* نظريات نيازي عز الدين.
* كتاب "تهافت القراءة المعاصرة" للدكتور محمد طاهر الشواف والذي ناقش فيه كتابك "الكتاب والقرآن قراءة معاصرة" ..
* تزكية روبرت بللتشرو - وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق - لكتاباتك ونظرياتك.
* التيار المعتزلي الجديد وممثليه محمد بلدريم كاليش وأولريش شون .
10- أخيرا .. هل تجد تجاوب من مثقفي السعودية لماتطرحه ؟! ومن أين يأتي ؟! .. ثم مارأيك -الشخصي- بالمرحلة الفكرية التي نعيشها بالسعودية في الوقت الحالي ؟
مع أمنياتي لك بدوام الصحة والتوفيق في حياتك العملية والشخصية.
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى السيد ماس :
1- إن مفهوم السنة النبوية شيء، وتقيدنا وطاعتنا للرسالة شيء آخر. فالذي وضع مفهوم السنة النبوية كما هي عليه الآن هو الإمام الشافعي فهو الذي عرف السنة بأنها كل فعل أو قول أو إقرار قام به النبي. وبما أن النبي (ص) كإنسان عاش في شبه جزيرة العرب في القرن السابع فكانت ثقافته كإنسان هي ثقافة العرب في ذاك الوقت، وبالتالي فقد حوَّل الشافعي الثقافة العربية السائدة في القرن السابع إلى دين، ولا يوجد أمة اختلطت عندها الثقافة بالدين، والدين بالثقافة كالعرب. فاللباس دين وقص الشعر دين والأكل دين وهكذا دواليك. ثم أضاف إلى المشكلة مشكلة أخرى هي مفهوم الإجماع وهو إجماع الصحابة، فرسخ هذه القاعدة. ونحن يحق لنا أن نضع تعريف الشافعي للسنة تحت التساؤل وتحت المجهر. فالشافعي خلط بين شخصية الرسول كإنسان وكنبي وكرسول، علماً بأن الطاعة في التنزيل جاءت للرسالة فقط. ولم يفرق الشافعي بين التحريم والنهي. فالمحرمات جاءت في كتاب الله، والنهي جاء في كتاب الله ومن الرسول ومن الناس. الله يحرم ويحلل ويأمر وينهى، والرسول يأمر وينهى، والبرلمانات والدول في العالم تأمر وتنهى. فلا يحلل ويحرم إلا الله حصراً. المحرمات يجب أن تكون في كتاب وهي شمولية وأبدية. أما النهي فهو ظرفي غير شمولي. والله تعالى حرم أكل مال اليتيم ونهى عن التجسس، فلا يحق لك أن تأكل مال اليتيم في كل الأحوال حتى ولو كان ابن عدوك. ولكن إن لم تتجسس على أعدائك فسوف يهزموك، وإذا لم تتجسس الدولة على عصابات المافيا والمخدرات فلا تستطيع القبض عليها ومنعها. لذا جاء التجسس في صيغة النهي لأنه ظرفي وأكل مال اليتيم جاء شمولياً فجاء محرماً.
فأوامر رسول الله (ص) ونواهيه لاتحمل طابع الأبدية والشمولية. ونواهيه ليست محرمات وإنما ظرفيات وهي من مقام النبوة. فالرسول أدار الدولة ونظم المجتمع وقاد الحملات العسكرية من مقام النبوة وليس من مقام الرسالة. وكل القرارات السياسية والعسكرية والتنظيمية والقضائية التي قام بها محمد (ص) هي من مقام النبوة ولاتحمل الطابع الأبدي وإنما الظرفي التاريخي وهي ليست شرعاً إسلامياً بالأصل. وفي هذا نحن ننقد تعريف الشافعي للسنة وهذا حقنا. وتاريخ العلوم بشكل عام هو تاريخ اكتشاف أخطاءها. فهل هناك تاريخ للفقه أي بكشف أخطائه؟! .
2 – فيما يتعلق بالمعتزلة فإنني أقف على أرضية النصف الثاني من القرن العشرين وهذا ما لم يحلم به المعتزلة والأشاعرة، فإني قد تجاوزتهم جميعاً. وإذا كان هناك تطابق في بعض الأفكار فهو من باب المصادفة لامن باب النقل. وأي فكر جديد عليه أن يتجاوز المعتزلة والأشاعرة والغزالي وابن رشد وابن تيمية لأن نظم المعرفة والإشكاليات المعاصرة تسمح بل تجبر على هذا التجاوز .
3 - لقد استعمل الغزالي الفلسفة ومنع الناس من استعمالها، والفلسفة في الفكر الإسلامي وخاصة السني هي زندقة ، مع أن الفلسفة هي أم العلوم قاطبة، ونحن الآن أبعد ما نكون عنها وخاصة عند علماء الدين فلا يعترفون بها إطلاقاً لأنهم عاجزون عن الولوج فيها. لذا فإنك ترى الأطروحات الإسلامية وخاصة في مجال الفكر هي أقرب ما تكون إلى السذاجة منها إلى الفكر . والفلسفة والعقلانية هي من أضر الضرورات للمجتمعات العربية . ويكفي أن تسمع حلقة للداعية عمرو خالد حتى تعلم مدى حاجتنا إلى الفلسفة والعقلانية ومدى ولوجنا في الماضي لأن الأمة المهزومة تلجأ دائماً إلى الخرافة حتى وإن كانت حقيقة نحولها إلى أسطورة وهذا ما يفعله عمرو خالد، إذ حوَّل الصحابة إلى خرافة وأساطير وصاروا أوثاناً جدد .
4 - إن الكتاب الأول (الكتاب والقرآن) هو عملياً نقد العقل العربي الديني وذلك بطرح فكر بديل لذا أخذ 20 عاماً من الوقت .
5 - الفكر العربي المعاصر هو في طور الإرهاصات الآن، والفكر السلفي الآن في طور النزاع ولا يغرنك ما تسمعه في التلفزيونات فهي صحوة الموت.
6 – في هذه معك حق فالبنية الفكرية المتخلفة السائدة تؤثر حتى على الفكر المتقدم ودائماً أنا صاحٍ حتى لاأقع في هذا المطب وأنا لم أستطع الكتابة حتى تجرأت على الفكر السلفي التاريخي علناً والخروج من هذا الرداء صعب جداً ويحتاج من الإنسان أن يكون مقدام.
7 – لقد أفلست حركات الإحياء الديني، ولا يغرنك كثرة البرامج فهي صرخة النزاع فقد استعملوا التكنولوجيا المتقدمة لمواد فكرية متهافتة لاعقلانية وساذجة. وكذلك حركات الفكر العلماني فقد حاولت تفكيك الثقافة العربية الإسلامية وإلغائها وفشلت. البداية هي حركة إصلاح ثقافي قبل الإصلاح السياسي. وبما أن الدين الإسلامي هو المكون الأساسي للثقافة العربية والفضل في هذا للشافعي، فنحن بحاجة إلى حركة إصلاح ديني وهي أكثر وأكبر من الاجتهاد (أي إصلاح الأصول من أصول الفقه إلى الفلسفة وعلم الكلام ( ثيولوجيا) ونظرية الدولة والمجتمع والعنف والتعددية والحرية وكل هذه الأمور ، السلف لايفيدنا بل يضيعنا وعلينا أن نجدها بأنفسنا.
8 – كلا هي ليست قراءة جديدة لمقاصد الشريعة للشاطبي بل هي تجاوز لها.
9 – نحن بحاجة إلى كتابات كثيرة من أمثال كتابات الدكتور نصر حامد أبو زيد ونيازي عز الدين فالحقيقة دائماً تأخذ صيغة التراكم.
أما بالنسبة لكتاب تهافت القراءة المعاصرة فقد لخص الأستاذ الشواف بشكل جيد جداً معظم نظريات السلف والتراث فهو بهذا يعتبر مرجعية جيدة حديثة لآراء التراث فقد لخص كتب تراثية كثيرة. ويكفي أنه دكتور في الحقوق ليتبنى نظرية الترادف فقال : اللوح المحفوظ == الإمام المبين.
وكذلك وهو محامٍ لم يفرق بين العقوبة والقصاص، فعنده الإثنان واحد والواقع أن القصاص عقوبة ولكن ليس كل عقوبة قصاص. فجلد الزاني عقوبة ولكنه ليس قصاصاً وقتل القاتل عقوبة وقصاص بنفس الوقت.
أما فيما يتعلق بتزكية بولليتيرو فإن من أبسط الأمور هي أن أي كتاب يصدر في الأسواق منذ لحظة صدوره ينفصل عن مؤلفه. فهناك الكتاب في الأسواق وتعليق الناس عليه شيء، والمؤلف وشخصه شيء آخر. وتزكية بولليتيرو إن دلت على شيء فهي تدل على أن الأمريكان مهتمون بهذه المنطقة ولايصدر أي شيء إلا ويطلعون عليه سلفياً كان أم غير سلفي، وكل من يقرأ كتبي سيعلم أن الأطروحات فيها إنسانية عامة وأنها أخرجت الإسلام من القمقم الذي وضعه فيه رجال الدين أو من يسمون أنفسهم العلماء الأفاضل. فأنا قادر وبكل فخر أن أواجه بولليتيرو وغيره بالأطروحات الإسلامية الفطرية الإنسانية، لا بالأطروحات الإيمانية الخاصة. فالأمريكان يفرقون بين الأطروحات الساذجة والأطروحات الجدية العقلانية. وتعليق بولليتيرو لم يزعجني ولم يفرحني لأنني تعافيت من نظرية المؤامرة حيث يُتهم بالتآمر كل من يكتب كتابات لاتعجب التيار الأصولي أو السلفي.
بالنسبة للتيار المعتزلي فإني بحاجة لأن أقرأ مراجعه .
10 – يسعدني تجاوب مثقفي السعودية وهذا منطقي لأنهم يتمتعون بثقافة عالية ومطلعون على ما يجري في العالم بشكل جيد ويعيشون بمجتمع أقل ما يقال فيه أنه ضد الفطرة الإنسانية. فالمجتمع السعودي مجتمع اصطناعي غير طبيعي وأنا أقول هذا عن دراية لأنني عشت في الدمام في الفترة ما بين 1982 – 1983 أعمل في شركة (سعود كونسلت) حتى أنني كتبت بعض الفصول من كتابي الأول في الدمام . وقد حدثت هزة شديدة فيه بعد أحداث 11 إيلول في أمريكا، ومن نتائجها ظهور طبقة واعية تعيد النظر بالثقافة السائدة بشكل جذري وأنا أتأمل خيراً من شباب السعودية بتبني الفكر العقلاني الواعي الذي يجعل حياتهم منسجمة مع أفكارهم وطبيعية أكثر. وهي الآن مرحلة مخاض.


الاسم طربال البلد -
سعادة الاستاذ محمد شحرور...اهلا ومرحبا بك بين ابناءك واخوانك اعضاء وزوار منتدى طوى....وسؤالي استاذي الكريم هو:
للاسف ان البعض يظن ان اعجاز القرآن الكريم في سوره ومفرداته وانها مستحيلة على من كان ان يأتي بمثلها...بصراحه كقارئ للقران أرى انه كلام عادي من الممكن لاي اديب بارع او شاعر محترف ان ينسج مثله...أرجو ان لاتستعجل سيدي الكريم في الحكم على رأيي فما قصدته هو ان القرآن الحقيقي هو في المعاني والحكم التي تغطيها تلك الايات وتلك الكلمات والتي للأسف لم نصل الى شيء منها ولو حتى تلك الحروف المتقطعه التي وردت في بادءات بعض السور مثل الف لام ميم و كهيعص وغيرها..!!
من المعروف انه بعد مرور كل هذه القرون من تنزيل القران الكريم وبعد تناوب كل الدول والدويلات والمذاهب والعلماء التي مرت على الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والمغرب العربي تعرضت المذاهب والتواريخ والاحداث للكثير من التغيير والتشويه واصبحنا فعلا حائرون اي طريق يجب سلكه. في نفس الوقت لازال البعض يطوف من بعيد حول اسوار محاولة ايجاد الفهم المناسب والتفسير الذي لايغير من صلب معاني الايات والذي يكون في حدود مايمكن ان يدركه الجمهور. وللأسف لعدم وجود الادراك الكافي والمصادر القوية ولوجود الاختلافات التي قد تكاد تكون جوهرية بين مذاهب الاسلام المتعددة كل راح يفسر ويعلل ويجتهد ويقيس على طريقته مما نتج عنه في النهاية مجرد تفاسير لغوية وأدبية اكثر من كونها شرعية او عقائدية يستفاد منها حقيقة.
استاذي لماذا لايحاول المثقفون امثالك الباحثون عن الحقيقة مهما كان مصدرها لماذا لايحاولون الانفتاح على المذاهب الاخرى مثل المذاهب الاربعة والاثناعشرية والاسماعيلية والزيدية وغيرها بل ويتعدونها الى فلسفات وحكم الرومان والاغريق وغيرهم للخروج في النهاية بحقيقة دامغه تجعل من هذا القرآن دستورا حاويا شاملا كاملا كما قال تعالى (مافرطنا في الكتاب من شئ)..؟؟؟
تقبل تحياتي ولك وللجميع مني باقة ورد بيضاء
طربال
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى طربــال :
فهمت أنك تدعو المثقفين الباحثين عن الحقيقة للانفتاح على المذاهب الأخرى كالمذاهب الأربعة والاثنا عشرية والاسماعيلية والزيدية وغيرها، ثم يخرجون بعد العودة إلى فلسفات الرومان والإغريق بتفسير قرآني حاوٍ شامل كامل .. إذا كان ما فهمته صحيحاً فأنت بلا شك تمزح!!


الاسم عيون البلد -
الأستاذ الدكتور العزيز محمد شحرور ، بعد وافر التقدير والإحترام ، هذه تحية لك ، وسؤال قصير :
ورد في محكم الكتاب أية تقول " جنة عرضها السموات والأرض " ، وكلما قرأتها يتبادر إلى ذهني تساؤلات تؤرقني حول مكان النار ، بمعنى أين النار في هذه الحالة ، أي في حالة المعنى الموجود في الأية ؟
وتقبل الله منك صيامك وقيامك ...
أخوك / عيون
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى أخي عيـــون :
لقد ورد تأويل قوله تعالى ( جنة عرضها السموات والأرض) في كتابي الأول ص 243 – 244 .


الاسم thunder75 البلد -
أستاذنا الكبير الدكتور محمد شحرور
كم أنا سعيد جدا بوجودك بيننا لأنني أعتبر نفسي من أشد المؤمنين بفكرك التنويري العظيم و فهمك المعاصر لكتاب الله والذي أظن أنه سيأتي يوم من الأيام تكون له السيادة ويأخذ طريقه إلى ربما لم تأت بعد لذلك اسمح لي أن أطلب منك أن تواصل عطاءك قدر ما استطعت و لا تلتفت إلى المشككين و الحاسدين ممن لا هم لهم سوى تشويه طروحاتك و فكرك النير.
والآن اسمح لي أن أعرض عليك هاتين المسألتين التي أختلف فيهما مع طروحاتك التي تفضلت بها في كتابيك ((الكتاب و القرآن)) و (( الإسلام و الإيمان))
أولا :
بخصوص الآية 37 من سورة يونس (( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ))
أنا أرى أن تفصيل الكتاب هنا هي ليست إشارة لفئة معينة من آيات الكتاب لأنها أولا معطوفة على ما قبلها ولأنها ثانيا مسبوقة بواو العطف و ليست واو الإستئناف بمعنى أن القرآن كما تشير الآية هو
1- تصديق الذي بين يديه
2- و تفصيل الكتاب
و لأن القرآن كما تقول الآية 3 من سورة فصلت هو تفصيل الكتاب ((كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون))
وأنا أتفق معك تماما في تأويلك لمعنى المحكم و المتشابه والكتاب و القرآن الإنزال والتنزيل وأن هناك آيات في الكتاب ليست بالمحكمات و لا بالمتشابهات لكني أرى أن هذه الآيات التي هي ليست إخبارية و ليست أحكام مثل آيات السجال مع المشركين و الكفار أو مواساة النبي (ص) أو توبيخ الكفار وغيرها من الآيات التي تتضمن تفاعل النص مع الواقع بدون أن تعطي أحكاما أو أخبار أو سنن إلهية وعلى سبيل المثال :
مثل :
الآية 12 من سورة هود ((فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شىء وكيل))
و الآيات 16 إلى 18 من سورة الزخرف (( أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين(16) وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم(17) أو من ينشأ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين (18) ))
يهمني أن أسمع رأيك في هذه الرأي .
ثانيا :
إن لي تعليقا مهما حول مسألة تاريخية النص في مواضيع مثل ملك اليمين والجزية وإمكانية أن يتجاوز الواقع بعض النصوص في كتاب الله فلقد وجدت أنك تنفي بشدة هذه الإمكانية و يهيئ لي أنك تحاول أن ترد بشكل غير مباشر على طروحات الدكتور نصر حامد أبو زيد في هذا الخصوص. ولعل أبرز مثال على هذا الأمر هو كلامك عن ملك اليمين و أن الإسلام لم يقر الرقيق وأن علينا أن نبحث عن معنى جديد لملك اليمين .
و مكمن الإشكال هنا في رأيي الشخصي أن البعض يريد أن يجعل كتاب الله كله نصا تاريخيا و البعض الآخر يرفض أن يكون هناك حتى و لو بعض آيات الأحكام المحدودة العدد تحمل الطابع المرحلي وأنه يمكن أن يتجاوزها الواقع مثل آيات ملك اليمين و الجزية .
و برأيي الشخصي فإن الإسلام لم يحض أو ينهى الناس عن ملك اليمين مثلا لأن وجود الرقيق في تلك المرحلة التاريخية أمر طبيعي جدا لأنهم يمثلون قوى الإنتاج وأن التطور و التغير في قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج حسب قوانين التطور الإقتصادي كفيل لوحده بإنهاء الرقيق وهذا ما حدث بالفعل.
وأما بخصوص الجزية فأنا أرى أيضا أن مفهوم المواطنة كأساس للإجتماع البشري ومبدأ تساوي المواطنين بالحقوق و الواجبات حسب الدساستي الحديثة لم يكن قد ظهر بعد وأنه يخطئ من يحاول أن يفهم أمر الجزية من منظور معاصر تماما كما يخطئ من يحاول ان يطبقها في الوقت الحالي من حملة شعارات الإسلام السياسي على المواطنين غير المؤمنين
ما أريد أن أقوله إن مكانية تجاوز الواقع لبعض النصوص المحدودة لا يعني أبدا أن النص بإجماله أصبح تاريخيا و لا يجب علينا في هذه الحالة
أن نحاول أن نكيف تكيف النص مع الواقع أو تكيف الواقع مع النص.
تماما كما تعامل عمر بن الخطاب مع آيات المؤلفة قلوبهم.
هناك أيضا مطلب شخصي أتمنى لو بإمكانك أن تساعدني به و هو أين يمكن أن أجد تسجيلا كاملا للحلقات التي يثت في رمضان الماضي في مقابلتك مع عماد الدين اديب .
تحياتي و محبتي و احترامي
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى Thunder 75 :
في سؤالك عدد من المحاور، سأحاول الوقوف عند كل منها بقدر ما يسمح به المقام. أولها تفصيل الكتاب، كما ورد في يونس 37. ولعلك انتبهت أنها الوحيدة في التنزيل الحكيم التي ورد فيها هذا المصطلح.
لقد ورد الأصل ف ، ص ، ل ، ومشتقاته في كتاب الله تعالى 43 مرة، من بينها الآية 37 من سورة يونس، يفهم منها المتأمل المعاني التالية:
1 – الفصل بمعنى الحكم القاطع الواضح كما في قوله تعالى (إن الله يفصل بينهم يوم القيامة) الحج 17. ويدخل في هذا المعنى مصطلح ( يوم الفصل) في الصافات 21 والنبأ 17 والطارق 13، كما يدخل في مصطلح (فصل الخطاب) في سورة ص 20.
2 – والفصل والفصال بمعنى الابتعاد والتفريق، كفصال الرضيع بمعنى فطامه في قوله تعالى (وفصاله في عامين) لقمان 14، وانفصال الزوجين كما في قوله تعالى (فإن أرادا فصالاً عن تراض) البقرة 233، وابتعاد الجيش والقافلة كما في البقرة 249 ويوسف 94.
3 – التفصيل بمعنى الشرح، كقوله تعالى (ومالكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ماحرم عليكم) الأنعام 119. ويدخل في هذا المعنى مصطلحات (تفصيل الآيات) في يونس 5 والروم 28 وغيرهما، و (تفصيل كل شيء) في يوسف 111 والأنعام 154 وغيرهما.
4 – أما (الكتاب المفصل) في قوله تعالى ( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً)، وأما (الآيات المفصلات في الأعراف 133، فالمعنى هنا يجمع الكل معاً، شأن جميع مفردات التنزيل الحكيم، فهو القاطع الواضح المشروح والمفرقة آياته بالفواصل الكتابية والزمانية.
نخلص من هذا كله إلى أن الكتاب في تفصيل كل شيء، فهو يبين المحرمات، ويشرح علم السنين والحساب، فكيف يفصل الكتاب نفسه؟ والجواب: بالتعريف به ووصفه. ومن هنا قلنا إن آيات الكتاب المحكمات / آيات الرسالة ، تتضمن الأحكام، وإن آيات القرآن المتشابها آيات النبوة تتضمن العلوم، وإن آيات تفصيل الكتاب تتضمن وصف الكتاب نفسه بنفسه كقوله تعالى (ذلك الكتاب لاريب فيه) البقرة 2 وقوله تعالى (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) يوسف 2 .
وإذا كانت يونس 37 في ذكرها لتفصيل الكتاب، لاتشير في رأيك لفئة معينة من آيات الكتاب فإلام تشير إذن في رأيك؟ لكن المسألة الأهم ليست فيما إذا كانت تشير أو لا تشير، الأهم هو أن نقتنع بوجود ثلاثة أنواع من الآيات في التنزيل الحكيم أو لانقتنع، هي آيات محكمات وآيات متشابهات وآيات تعرّف الكتاب وتصفه فلا هي بالمحكمات ولا بالمتشابهات. وإذا ما اقتنعت حسب المفهوم من سؤالك هانَ ما بعد ذلك.
ثانيها مسألة تاريخية النص في مواضيع مثل ملك اليمين والجزية، وهي مسألة عريضة الجوانب شائكة المداخل والمخارج يطول الحديث فيها حتى يكاد لاينتهي. فالمشكلة عند القائلين بتاريخية النص مشكلة خطيرة، تمس مصداقية الوحي وحصوله فعلاً من جهة، وتحول التنزيل الحكيم بالمحصلة إلى أثر تراثي يخضع لمتطورات التاريخ ومستجداته إبطالاً وإلغاء، وتمسح صفة الثبات عن النص القرآني، وتعارض مقولة إن التنزيل الحكيم الموحى كرسالة سماوية صالح فعلاً وحقاً لكل زمان ومكان. مشكلة القائلين بتاريخية النص هي أنهم يعتبرون التطبيق التاريخي للنص والفهم النسبي للنص هو النص بذاته. وكأنهم يقولون إن ما نطبقه ونفهمه اليوم من كتاب الله تعالى هو ذات الكتاب، ليصلوا بعدها إلى استحالة صلاحيته – التي نؤمن نحن بها – لكل زمان ومكان.
لقد انطلقوا من هذه الأرضية في النظر إلى مسألة ملك اليمين والجزية، فاعتبروا أن ملك اليمين حسب منظور التطبيق والفهم التاريخي هو الرق، وأن الجزية أتاوة قهرية إذلالية يفرضها الفاتح على المغلوب، ووصلوا إلى أن آيات ملك اليمين أصبحت لاغية بالضرورة بفعل حتمية التطور التاريخي وإلغاء الرق، وإلى أن آيات الجزية أصبحت لاغية بالضرورة بعد أن صرنا مغلوبين. ولقد كان يمكن لهذا أن يكون صحيحاً لو كان النص القرآني تراثاً، لكنه ليس بتراث، إنه نص ثابت موحى تعهد تعالى بحفظه، ولو كان الفهم والتطبيق التاريخي والنص شيئاً واحداً، لكنهما عندنا شيئان مختلفات.
لقد سمح الظرف التاريخي مع شيوع الرق، أن يفهم الناس أن ملك اليمين هو الرق، لكن التنزيل الحكيم لم يشر إلى ذلك أبداً. والمتأمل في آيات ملك اليمين يجدها ترسم شكلاً للعلاقة يختلف تماماً عن شكل العلاقة المعروفة الشائعة بين العبد ومالكه. أبرز ما فيها هو العلاقة الجنسية، وإظهار الزينة.
أما في جواز إظهار الزينة لملك اليمين، فالله تعالى يقول ( ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن... أو ما ملكت أيمانهن) النور 31. فإذا كان ملك اليمين هو الرق حصراً، فهل نفهم من الآية أنه تعالى يجيز للمرأة إبداء زينتها لعبيدها؟ هذا كلام خطير، يرفضه حتى البسطاء بحدسهم الفطري العام.
وأما في العلاقة الجنسية مع ملك اليمين، فالله تعالى يقول (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) المعارج 29،30،31. المؤمنون 5،6،7 . ولقد نزلت هذه الآيات في زمن كان فيه للرجال جواري وللنساء عبيد، فإذا كان ملك اليمين هو الرق حصراً، فماذا نفهم من الآيات؟
الطريف أن الناس في زمن الرق، فهموا أن ملك اليمين في الآيات هم الجواري والعبيد، فأجازوا للرجل وطء جواريه، وكان يجب أن يجيزوا للمرأة وطء عبيدها، لكنهم لم يفعلوا، لقد منعهم حسهم العام من أن يفعلوا ذلك. وقد حصر التنزيل الحكيم العلاقة الجنسية المشروعة بين الرجل والمرأة في شكلين:
الزواج ___ والأساس فيه هو الجنس + صهر ونسب وأسرة.
ملك اليمين --- والأساس فيه هو الجنس فقط.
ثم جاء النبي (ص) ومن بعده أبو بكر فأقر زواج المتعة وهو أحد أشكال ملك اليمين. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ابتدع النبي (ص) نوعاً ثالثاً من العلاقة الحلال بين الرجل والمرأة غير الزواج وملك اليمين؟ خصوصاً وقد حكم تعالى في آياته أن كل من يبتغي غير هذين الشكلين هو من المعتدين المتجاوزين لحدود الله؟ والجواب: إن زواج المتعة هو أحد أشكال ملك اليمين بلا ريب، تماماً مثل زواج المسيار في السعودية اليوم. وإذا كان عمر بن الخطاب قد منع زواج المتعة فهو من باب المنع كولي أمر (كدولة) لامن باب التحريم، فالتحريم إلهي والمنع إنساني.
ومن هنا نرى أن مفهوم ملك اليمين – بعيداً عن الرق – ما زال سارياً إلى يومنا هذا. فالعلاقات الجنسية التي تتم في العالم الآن على أساس ملك اليمين لاتقل أبداً عن مثيلتها في الزواج المعروف المشهور، فملك اليمين هو أحد أشكال الانتقال من الإحصان الذاتي إلى الإحصان الموضوعي، وعقد ملك اليمين هو عقد إحصان بين الرجل وملك يمينه وبين المرأة وملك يمينها.
أما الجزية كما وردن في قوله تعالى (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ) إلى قوله (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) التوبة 29. فقد فهمها التطبيق التاريخي على أنها أتاوة قهرية إذلالية، رغم عدم وجود في أصلها اللغوي ما يدل على ذلك. فالأصل ج ، ز ، ي ، جاء من الجزاء وهو المكافئ على العمل ثواباً وعقاباً، وفيه يقول تعالى (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) غافر 17. فالجزية هي الضريبة اليوم. والقصد في الآية إجبار الكفار المقهورين على دفع الضرائب للدولة لتصرفها على أمور رعاياها كلهم.
ولقد قادنا التفريق بين الإسلام والإيمان وبين المسلمين والمؤمنين إلى أن نفهم طرفاً له علاقة بالجزية، وأن نفهم لماذا سمي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وسمي بين المال بيت مال المسلمين. فقد كانت الجزية (بمعنى الضريبة) والزكاة والصدقات هي المورد الوحيد لبيت المال. فالزكاة والصدقات يؤديها المؤمنون أتباع محمد (ص) الذين قامت الدولة على سواعدهم، ولهذا سمي عمر أمير المؤمنين، والجزية يؤديها اليهود والنصارى لبيت المال، ليتم الإنفاق من المجموع على جميع المواطنين، ولهذا سمي بيت مال المسلمين. ومن هنا نرى أن مفهوم الجزية، بمعناه الضريبي وليس بمعناه التاريخي، ما زال سارياً إلى اليوم، بعد أصبحت الضرائب تشكل ميزانية الدولة، وبعد أن أصبحت المواطنة من وجهة نظر الدولة هي الإنتماء وليس الملة أو الدين أو المذهب.


الاسم شمس البلد -
سعادة الدكتور محمد شحرور ... يسعدنا أن تكون ضيفنا في الواد المقدس ولا أنسىأن أشيد بفكرك الإسلامي الفذ وعقليتك الرائعة فهنيئا لنا بك هنا . ومرحبا بك وهذه أسألتي سيدي :
1 _ حجاب المرأة وأعني به (تغطية الشعر ) هو أمر متفق عليه بين المذاهب الأربعة كما أعرف ... لكن أريد أن اعرف حكم القرأن بذلك والأيات الصريحة الدالة على تحريم رؤية الشعر . وهل الفتنة تكمن فقط بالشعر !!!
2 _ ورد في القرأن ضرب المرأة اذا كانت ناشزة عن زوجها ... ما تفسيرك لذلك ؟؟؟ الا يتعارض هذا مع الكرامة والحرية التي وهبها الله
للإنسان سواء كان إمرأة أم رجلا ؟؟؟
3 _ورد في القرأن الكريم الأية الكريمة ( يا أيها الذين آمنو حرمت عليكم الميتتة والدم ولحم الخنزير ...) إلى أخر الأية
أما الخمر والميسر فقد ورد بصورة أخرى قال سبحانه وتعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه لعلكم تفلحون )
مالفرق بين الأيتين الكريمتين ؟؟؟
4 _ ورد في القرأن الكريم حول نزوله ( إنا انزلناه في ليلة القدر ... )
الى اخر الأية
هذا يدل على أن القرأن الكريم نزل دفعة واحدة !!!
كيف نوفق بين ذلك وبين نزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم على فترات منفصلة عن بعضها ؟؟؟
5 _ معظم الأنبياء والرسل المذكورين في القران هم من بني إسرائيل
ومعظم القصص في القرأن عن بني إسرائيل ... ما تفسيرك لذلك
والقرأن الكريم هو كتاب المسلمين المقدس ؟؟؟
6 _ العبودية أقصد الرقيق وتملك الإنسان أو عتقه ورد في القران الكريم ... هذا الشئ يحيرني أستاذي لإن الإسلام دين الإنسانية ويتعارض مع مبدأ بيع وشراء الإنسان .
ما تفسيرك لهذا
7 _قال سبحانه وتعالى في تعدد الزوجات : ( فإن خفتم ان لا تقسطو في اليتامى فانكحو ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )
الا تدل هذه الأية على عدم جواز التعدد الا في حالة اليتامى ؟؟؟
أم أن هنالك تفسير أخر منك لهذه الأية .
أعتذر عن الإطالة سيدي ولك الشكر والإمتنان سلفا .
دمت بخير وعافية وحفظك الله .
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى شمس :
1 – فيما يتعلق بحجاب المرأة وغطاء الرأس بالذات هو من سنن العادات والتقاليد. فقد قسمت كل المذاهب الإسلامية النساء من حيث اللباس إلى نوعين: الحرة والأمة، وقالوا إن لباس الحرة في الصلاة هو كل الجسد ماعدا الوجه والكفين، وأن عورة الأمة كالرجل من السرة إلى الركبة، هذا في الصلاة. أي يحق للمرأة الأمة وهي مسلمة مؤمنة أن تصلي وهي نصف عارية تغطي من السرة إلى الأعلى، فما رأيك خارج الصلاة وبالأصل لا نتكلم عن غطاء الرأس، فقد ضرب عمر بن الخطاب أمة لأنها لبست لباس الحرة أي أجبرها أن تسير بدون غطاء رأس. فإن كان هذا غطاء الرأس أو ما يقال عنه الحجاب الشرعي ، فهذا يعني أن الإسلام قسم النساء المؤمنات في اللباس حسب الطبقات. وإذا قبلنا ذلك فهذا يعني أنه دين طبقي. ولكن إذا قلنا أن اللباس سنة اجتماعية حسب أعراف المجتمع وحسب البيئة والمناخ وحسب التقدم في إنتاج الأقمشة والألبسة وضعت الأمور في نصابها. وقد شرحت في كتابي (فقه المرأة) بحث لباس المرأة بشكل تفصيلي.
2 – لقد بحثت موضوع الضرب في الإجابة عن سؤال آخر وفي كتابي (فقه المرأة) في بحث القوامة.
3 – الفرق بين قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ..) الآية، فهذه الآية من المحرمات وعددها في كتاب الله / 13 / محرماً يضاف إليها تحريم الذبح على النصب والاستقسام بالأزلام في سورة المائدة وهذه أضيفت إلى الميتة والدم ولحم الخنزير .
أما قوله تعالى (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة (إنما يريد الشيطان ليوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) المائدة. في الآية الأولى وصف الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بأنها رجس من عمل الشيطان وطلب الاجتناب للرجس في (فاجتنبوه) ولم يقل (فاجتنبوها). فعلينا أن نعلم ما هو رجس كل واحدة منها. فالرجس هو الاختلاط في الأمور (Confusion) . وعليه فإن رجس الخمر = السُّكر ، ورجس الميسر = الوهم بالربح، وكلاهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس وحكمهما بالاجتناب هو النهي وليس التحريم في قوله تعالى (فهل أنتم منتهون) . ورجس الأنصاب = الذبح على النصب، رجس الأزلام = الاستقسام بالأزلام، وكلاهما محرَّم ولايوقع العداوة والبغضاء بين الناس ولا يصد عن ذكر الله ولا عن الصلاة ومع ذلك فهما محرمان لأنهما يسببان التباس بالعقيدة.
أما قول البعض بأن (فاجتنبوه) تعني التحريم أو أكبر فهذا من باب المزاودة. فالاجتناب هو مقدمة إما للتحريم أو للنهي ومع ذلك أنظر الفرق بين فعل (ولاتقربوا) وفعل (اجتنبوا) في كتابي (فقه المرأة.
4 – هناك فرق كبير بين الإنزال والتنزيل والجعل ، راجع بحث الإنزال والتنزيل في كتابي الأول (الكتاب والقرآن) ومع ذلك : الإنزال : حصل دفعة واحدة للقرآن وذلك بأن أشهر في ليلة القدر أي أصبح كله بصيغة قابلة للإدراك الإنساني، فأخرج من اللوح المحفوظ والإمام المبين دفعة واحدة وصيغ عربياً خارج وعي محمد (ص) (إنا أنزلناه قرآناً عربيا) وبما أنه له وجود قبل الإنزال من اللوح المحفوظ والإمام المبين وتحول من صيغة غير قابلة للإدراك إلى صيغة أخرى قابلة للإدراك الإنساني، هذا التحول هو الجعل لذا قال (إنا جعلناه قرآناً عربيا) وقد تلازم الإنزال والجعل في القرآن وافترق التنزيل ، أي أن التنزيل حصل في مدة 22 عاماً على رسول الله (ص). إي أن الرسول (ص) لاعلاقة له لا بالمعاني ولا بالصياغة في الكتاب كله . أما في أم الكتاب (الأحكام) فلا يوجد فيها جعل. وقد تلازم الإنزال والتنزيل فيها لأنها جاءت من الله مباشرة ولم تكن مخزنة في لوح محفوظ ولا في إمام مبين. إقرأ هذا البحث بالتفصيل الكامل لكل الآيات المتعلقة بالإنزال والتنزيل في كتابي الأول .
5 – الإسلام دين بدأ بنوح وختم بمحمد (ص) وهو دين سماوي واحد بحلل مختلفة، وقد خضع للتراكم في المثل العليا وخضع للتطور في الأحكام التشريعية وخضع للإختلاف في الشعائر، فصومنا يختلف عن صوم اليهود والنصارى ولدى كل ملة هو صوم .
من هذا المنطلق ننظر إلى القصص القرآني لاعلى أنه تاريخ، وتاريخ بني إسرائيل بالذات يريك مرحلة هامة من مراحل تطور التشريع وهو كود كامل من التشريعات (الكتاب) جاء إلى موسى وعددها /613/ بنداً تشريعياً وهي نفسها جاءت إلى عيسى مع بعض التعديلات. هذه المرحلة ترينا أنها مرحلة تشريعية كاملة للمشخص، أي تشريعات عينية مشخصة (اقرأ شريعة موسى في العهد القديم). نرى أنها شريعة عينية مشخصة لأن الإنسانية كانت في مرحلة ما قبل التشريع المجرد. أما الرسالة المحمدية فميزتها أنها شريعة مجردة غير مشخصة وحولها الرسول (ص) إلى مشخصة لكي تصلح للقرن السابع وللعرب. أي أن الرسول (ص) حول المجرد إلى مشخص والمطلق إلى نسبي بتفاعله مع الرسالة الموحاة، وكان معصوماً في تبليغ الرسالة وفي ارتكاب المحرمات. والجزء المشخص في الرسالة المحمدية الذي ورد في المصحف كله ورد في سورة التوبة، أي أنها تمثل القصص المحمدي وهي أوامر مشخصة مرحلية غير قابلة للتطبيق الآن، وأول من اجتهد فيها عمر بن الخطاب إذ ألغى بند المؤلفة قلوبهم.
6 – فيما يتعلق بالعبودية، فقد ورد تحرير الرقيق في التنزيل الحكيم ولم يرد أبداً العبودية وبيع الإنسان. أما ربط الرق بملك اليمين فهو ربط تاريخي، والناس في مرحلة معينة اعتبروا الرق ملك يمين وتفاعلوا مع التنزيل ضمن شروطهم الموضوعية. أما القرآن فلم يربط بين الرق وملك اليمين. وقد ورد ذكر الرق في التنزيل مرة واحدة فقط في قوله تعالى (وضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لايقدر على شيء) فالعبد المملوك هو الرق أما كلمة عبد الله، فلا تعني رق الله ولا تعني رق أبداً، فنحن عباد الله ولسنا رق الله، ونحن عباد الله ولسنا عبيد الله حيث عبد جمعها عباد، وعبد مملوك جمعها عبيد. وقد ورد ذكر العبيد خمس مرات في التنزيل وكلها في مجال اليوم الآخر حيث الناس لايقدرون على شيء وليس لهم حرية الاختيار. فنحن في الدنيا عباد نطيع الله ملء إرادتنا ونعصيه بحرية اختيارنا. وهذه هي العبادية: أي العصاة والفجار والمؤمنين كلهم عباد الله، والعبادية هي الكلمة التي سبقت لكل أهل الأرض بحرية الاختيار . والعبودية لله أصلاً غير مطلوبة وهي من باب المزاودة. فالله خلقنا عباداً له في الدنيا، وسيبقينا عبيداً في اليوم الآخر يوم الحساب وسنرجع عباداً في الجنة (حرية الاختيار – لهم فيها ما يشاؤون * عيناً يشرب بها عباد الله) عبيداً في النار. في الدنيا يوجد ضلال وهداية، وفي الآخرة يوجد سوق (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) و ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا) .
7 – بالنسبة لآية التعددية انظر شرح هذه الآية في كتاب فقه المرأة تحت عنوان (التعددية الزوجية).


الاسم سما36 البلد -
سيدي الدكتور محمد شحرور..
السلام عليكم.. ومبارك عليك وعلينا الشهر الفضيل..
سيدي الفاضل.. لن أطرح عليك اسئلة عن كتبك ورؤاك العديدة في الدين والدنيا، المثيرة للجدل عند البعض، أو الموافقة للبعض الأخر.. فقد كفوني الزملاء والزميلات مؤنة ذلك، فما ارأهم إلا أهلاً لذلك، وقد أجادوا وأحسنوا بأسئلتهم ذات البعد الفكري الناضج..
سؤالي، يا سيدي، عن المفكرين المسلمين عامة، والعرب خاصةً، وحضرتكم واحداً منهم؛ لما لا نرى لهم دوراً مؤثراً على حكوماتهم ولا حضوةً لهم عندها ؟..
المفكرون في العالم الغربي، صاحب الحضارة المعاصرة كما هو معلوم، لهم المقام الكبير عند دولهم ومجتمعاتهم، ولهم الكلمة المسموعة والمؤثرة.. بل لا أبالغ إذا قلت أن رؤى وأفكار مفكريهم ومثقفيهم تجد طريقها للتطبيق الفعلي في السياسات الداخلية والخارجية لدولهم..
هل الأمر له علاقة بتآلية وتقديس السياسي عندنا، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، حسب ثقافتنا المختلة، وتهميش بل وتحقير رأي الفيلسوف والمفكر ؟..
أرى الأمر كذلك.. وأن كنت أطمع بسماع رأيكم السديد بهذه الإشكالية الحضارية..
حفظكم الله ووفقكم..
أخوكم سما36
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى سما 36 :
بالنسبة لكون المفكرين المسلمين عامة، والعرب خاصة، ليس لهم دور مؤثر على حكوماتهم، ولاحظوة لهم عندها. فهذا صحيح إلى حد ما، لكنه ليس مطلقاً. فهناك من يعتبر نفسه ويعتبره بعض الناس من المفكرين، له دور في حكومته، وله حظوة عندها. والقضية مرهونة بزاوية نظرك للأشياء. وهذا ينطبق على المفكرين في العالم الغربي. فنظرة الحكومة الأمريكية اليوم – مثلاً – إلى فوكوياما تختلف عن نظرتها إلى نعوم تشومسكي، وكلاهما من المفكرين.
ومع ذلك كله، فهناك بشكل عام الكثير من الصحة فيما تقول. والسبب هو أنه منذ استيلاء السلطة السياسية على المسجد، ومصادرته لصالحها، في أوائل عهد بني أمية، صارت السلطة الدينية تخضع كلياً للسلطة السياسية، على عكس ما كان عليه الوضع في أوربا حيث خضعت السياسة للدين، وكان البابا يعين الملوك ويمنحهم شرعية وحق الحكم. ومن هنا جاءت النهضة الأوربية لتفصل الدين عن السياسة، إنما لم تفصله عن المجتمع. أما عندنا فالوضع مختلف. حيث كان رئيس السلطة السياسية – وما زال – هو الذي يعين رؤساء وأعضاء السلطة الدينية، بدءاً من المفتي العام وانتهاء بإمام الجامع وخادمه، لمنحه شرعية الحكم.
وما الإسلام السياسي والحركات التي ظهرت في القرن العشرين، إلا محاولة لتخليص السلطة الدينية من تحكم السلطة السياسية. حيث تم توظيف الدين في الاستحواذ على السلطتين معاً الدينية والسياسية. إنما لم يتم أي تقدم أو أي تطوير فكري في مجالات نظرية الدولة والحكم والدستور والقانون والاقتصاد والديموقراطية، وتم بدلاً من ذلك تلميع التراث، رغم الحاجة إلى إبداعات واجتهادات حرة جريئة تواكب المتغيرات والمستجدات.
لكل فرعون قديم هاماناته وسدنته وجنوده، ولكل سلطة سياسية – العربية منها على وجه الخصوص – مفكروها وصحفها ومشايخها، الذين يعيشون في ظل عطاءاتها، أما المبدعون المجددون فعددهم قليل، للأسباب التالية:
1 - موقف الهامانات التقليدي المعروف من الإبداع والتجديد. فهم لايفرقون بين البدعة والإبداع، وكل جديد عندهم بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة تستوجب التكفير والنفي. وموقف كثير من الناس من الإبداع والتجديد بسبب إصابتهم بمرض الآبائية الذي أشار إليه تعالى بقوله ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) البقرة 170.
فالذي عادى نصر حامد أبو زيد ليس الحكومة المصرية، بل مشايخ الحكومة المصرية الذين تصرف عليهم الدولة ملايين الجنيهات. والذي عادى محمد شحرور ليس الحكومات والدول بل مشايخ هذه الحكومات والدول في سورية والعالم العربي.
2 - سيطرة سلطة الدولة وهاماناتها على وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية فلا تظهر مقالة إلا بإذنهم ولا تنعقد ندوة إلا برضاهم، ولا تعطى البرامج الدينية والثقافية والتراثية في جميع المحطات الفضائية والأرضية إلا لمشايخهم والناطقين بلسانهم، حتى محطة الجزيرة الفضائية القطرية التي تحمل لواء الرأي والرأي الآخر، لاتجرؤ على تخصيص عشر حلقات مثلاً من برنامج (الشريعة والحياة) أو برنامج (بلا حدود) لأحد هؤلاء المبدعين المجددين، وتكتفي على استحياء بقبول مداخلاتهم الهاتفية أحياناً.
3 - عدم توفر القدرة المادية للمفكرين في العالم العربي والإسلامي على نشر إبداعاتهم، فتبقى هذه الإبداعات حبيسة الأدراج لايدري بها أحد. ورغم أن هذا لاينطبق عليّ، فقد أنعم الله علي باستقلال وقدرة مادية من عملي في مكتبي للدراسات الهندسية والاستشارات منذ عام 1972، مكنتني من التأليف والنشر، إلا أنني تعرضت بعد حملة المشايخ على مؤلفاتي إلى حملة أشد في رزقي بعد أن قاطعني عدد من المهندسين المتدينين التقليديين.
لقد نجحت السلطة السياسية في خلق (حاشية) خاصة بها من المفكرين والمثقفين لامكان فيها لمن هو ليس منهم. أما في الغرب، فقد كان المفكرون هناك هم السبب الأساسي وراء التقدم في الغرب، وعلى رأسهم الفلاسفة والمنظرون من أمثال: روسو، كانت، هيغل، فيخته، فيرباخ، ستيوارت مل، برتراند راسل، ماركس، أنغلز، والفريد نورث وايتهيد، ومعهم العلماء من أمثال: نيوتن، داروين، أينشتاين، باستور، وبورغ.
فالنظام السياسي الأوربي والبنية الاجتماعية والمؤسسات الإدارية والاقتصادية والثقافية، ومراكز البحث هناك، تسمح بالإبداع والتجديد واختراق القديم التقليدي. فلكل إنسان أن يكتب في أي موضوع يريد، وإذا رأت المؤسسة صاحبة العلاقة شيئاً مهماً ومفيداً فيما كتب قامت بمناقشته فيها ثم بتبنيها واعتمادها، ولو كان الكاتب من خارج المؤسسة. فالمهم هناك ما قيل، وليس شخص القائل. أي أنهم يعرفون الرجال بالحق – حسب تعبير علي بن أبي طالب – أما نحن فنعرف الحق بالرجال. والأفكار عندنا تدور حول أشخاص قائليها. بعبارة أخرى هم يهتمون بصحة وفائدة المتن ولا يهمهم السند أو الراوي ونحن يهمنا الراوي والسند ولايهمنا المتن.
فقد كتبت حتى الآن أربعة كتب، عدا المقالات والندوات، تزيد بمجموعها عن 2000 صفحة، ومع ذلك لم يحدث أن دعتني أية مؤسسة عربية أو إسلامية ولا أي قسم فلسفة، أو كلية شريعة، أو معهد أو مركز ديني، لافي الشرق ولا في الغرب ليسمعوا مني ما أقول. التعليق والرد المشهور لديهم هو أنني مهندس – ولست من المشايخ – أحشر أنفي فيما لا يخصني وأتدخل فيما لايعنيني. قال أحد الأئمة العلماء المعروفين في دمشق لمريديه وتلامذته في أحد الدروس الدينية الأسبوعية: نحن لا نتدخل في أمور تخصصه الهندسي، فلماذا يتدخل هو في أمور الدين؟
لقد استطاع مشايخ السلطة أن يرسموا للسياسي – منذ قرون – صورة المانع العاطي، والمعز المذل، واستطاعوا أن يرسخوا في أذهان الناس أن التفكير فلسفة وأن الفلسفة زندقة، وأن المناقشة والمعارضة خروج عن الطاعة لا يمارسها إلا العملاء. لكن الصورة مع ذلك لا تدعو إلى اليأس، فهناك دائماً من يبحث عن الحقيقة، وفي اللحظة الني نفهم فيها أن العلوم تدرس الوظائف، وأن الفنون تدرس العواطف والأحاسيس، وأن الفلسفة تدرس المفاهيم، نكون قد بدأنا أول خطوة في الطريق الصحيح.


الاسم حورية البحر البلد -
ورد في القران قصص وفيها صور مجازية، مثل تكلم سليمان مع الطير والنمل مثلا, ومثل انفلاق البحر لموسى وتحول عصاه الى حية وغير ذلك مما لايمكن تخيل حدوثه واقعيا لبشر,
فهل يمكن اعتبار تلك القصص من المثيولوجيا ام هي مجرد صور خيالية يقصد بها تسلية النبي دون ان تتضمن احكاما دينية معينة..
سؤال اخر: ماالمراد بالجنة التي وعد بها المؤمنون؟ أليست الجنة لغويا تعني الطفولة و الحديقة.. وبالتالي فان تحققها ممكن في الدنيا ولاحاجة بنا لانتظارها في الآخرة كما هو حال كثير من الغربيين اذ يعيشون حياة رائعة اشبه ماتكون بالجنة وكذلك بعض الشرقيين.. فلماذا يقتصر معناها على الدار الآخرة؟ اذ حري بالشخص ان ياخذ المتحقق المعلوم خير من انتظار مجهول غائب لانعلم عن صحته شيئا سوى عن طريق الاساطير( واقصد بذلك التخيلات التي ترسم الجنة على هيئة معينة)؟
سؤال أخير:
يلاحظ عندنا في السعودية اهتمام قوي بكل فعل وكلام قاله من يسمونه "السلف" بما فيهم الرسول (ص) بحيث ان كل شيء فعله لابد من محاكاته رغم ان الله قال (وأطيعوا الرسول) ولم يقل أطيعوا شخص محمد,اي ان هناك فرق بين تصرف الرسول الذي هو نتيجة للوحي وتصرف محمد الشخصي البشري المعرض فيه للخطأ كاي انسان..
بل ان الامر عندنا هنا ليس مقصورا على السلف والرسول بل وصل الى ان كل كلمة او ربما تنفس يقوم به ينقلونه ويحفظونه فمثلا الحكومة هنا تدعم هذا التوجه كمثال ابن باز ، فاي كلمة قالها في اي شيء فان كان قد مدح شخصا فقد اعتبروا الممدوح ملاكا وان كان قد تحفظ او ذم شخصا فالثبور له الى يوم الدين..
كيف يمكن ان يميز الناس بين الاسلام وبين المسلمين من حيث التصرف؟
ولك التحية,
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى حورية البحــر :
سأبدأ الإجابة على أسئلتك بالإيجاز، ثم أنتقل للتفصيل:
1 - القصص القرآني بصوره الحقيقية والمجازية ليس ميثولوجيا، أي ليس خرافات ولا أساطير.
2 - القصص القرآني لايتضمن أحكاماً معينة، فآياته من المتشابهات وليس من المحكمات، وهي آيات علوم النبوة.
3 - المقصد الإلهي من القصص القرآني أكبر بكثير من مجرد تسلية النبي، التي يقول بها بعض المفسرين، تعالى الله عما يصفون.
4 - المعجزات في القصص القرآني ليست خيالية، بل هي أحداث تاريخية وقعت، جاء بها الأنبياء بإذن ربهم ليصدق الناس نبواتهم ورسالاتهم.
5 - تقديس السلف والتراث وأهله، وسحب الطاعة الرسولية التي أمرنا بها على الجانب النبوي والبشري من الشخصية المحمدية، وتحكم رجال السلطة الدينية تدعمهم السلطة السياسية بفكر الناس وسلوكهم، كلها أمور لاتنحصر فقط بالمملكة العربية السعودية كما تقولين، بل هي عامة تشمل جميع البلاد العربية والإسلامية منذ قرون.
يمكن أن نفهم القصص القرآني من خلال محورين:
الأول محور تطور الإنسانية، من خلال تطور التشريع والمثل والشعائر في الرسالات، ومن خلال تطور المعارف في النبوات. وآيات القصص هي من المتشابهات القرآنية، التي تخبرنا عن أحداث إنسانية وقعت، كانت قبل وقوعها في عالم الممكنات ثم أصبحت بعد وقوعها في عالم الحتميات، وتمت أرشفتها في الإمام المبين، يقول تعالى (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) يس 12. فإذا نظرنا وقارناه بقوله تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) يوسف 3. فهمنا أن القصص قسم من القرآن جاء وحياً من الإمام المبين، بينما جاء الباقي حاوياً قوانين الكون وسنن الوجود والظواهر الطبيعية من اللوح المحفوظ.
يبدأ القصص بآدم. وهي قصة بداية انفصال البشر عن المملكة الحيوانية، وقصة بداية الأنسنة بنفخة الروح، ثم تأتي قصة نوح أول رسول حسب التنزيل الحكيم لتشرح لنا أمرين. الأول هو بداية تعرف الإنسان على اجتياز الحواجز المائية بمعجزة إلهية اختص تعالى بها نوح، والثاني قصة امرأة نوح وابنه التي تشير بكل وضوح إلى أن النبوة والمعصومية لا تكون بالنسب. ثم تتوالى قصص الأنبياء لترسم لنا خط التطور الإنساني، ففي زمن نوح لم تكن هناك لا صناعة ولا تجارة، أما في زمن شعيب بمدين، فنراه يقول لقوله (ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) وهي نفس العبارة التي يرددها الأنبياء جميعاً، لكن شعيب أول من يضيف قائلا (ولاتنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) هود 84. إلى أن انتهت السلسلة بمحمد (ص) خاتم الأنبياء. وإذا كان نوح يمثل في عصره مرحلة الطفولة الإنسانية، فإن محمداً (ص) يمثل مرحلة النضج الإنساني، ومرحلة التجريد، ومرحلة اعتماد الإنسان على نفسه في التشريع وفي التعرف على علوم الكون.
إننا نجد في القصص القرآني أن التشريع خضع للتطور، والمثل العليا خضعت للتراكم، والشعائر خضعت للاختلاف، وأن الإسلام دين الأنبياء الواحد، دين بدأ بنوح واكتمل بمحمد (ص). ولولا القصص لما عرفنا هذا.
المحور الثاني محور المعجزات. فالمعجزات عبارة عن أعمال معجزة يقوم بها الأنبياء، هي من وجهة نظر مشاهديها مستحيلة. لكنها بحد ذاتها قفزات نوعية تتجاوز حدود الزمان والمكان. فبناء نوح للفلك مثلاً كان معجزة بوحي الله مستحيلة على قوم نوح في زمنهم، لكن بناء السفن والغواصات اليوم أمر عادي لا معجزة فيه. وكذلك إسراء النبي ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان مستحيلاً على قومه الذين يعرفون بالممارسة الفعلية أن الرحلة تستغرق ستة شهور. لكن ذلك يبدو اليوم أمراً عادياً في ضوء طائرات تطير بسرعة الصوت.
لقد كانت الإنسانية تاريخياً تعيش حالة بدائية مشخصة، تدلنا عليها قصة البقرة. فقد كان ذبح أي بقرة – حسب قول ابن عباس – يفي بالغرض تنفيذاً للأمر الإلهي على لسان موسى. لولا أن العقلية التشخيصية عند بني إسرائيل في ذلك الزمن لم تكن تسمح بذلك، فحاولوا التعرف على البقرة المقصودة عيناً. ولولا قصة البقرة لما استطعنا رؤية الفكر التشخيصي في شريعة موسى، ولا معرفة الوضع الحضاري والفكري لقوم موسى في زمنه.
ولما كانت آيات المعجزات والقصص من المتشابهات فإن فهمها يحتاج إلى تأويل. فهي من جهة مرئية مشخصة عند من حصلت أمامهم، فآمنوا بها ايمان تصديق، وهي من جهة ثانية رمزية مجردة عندنا نحن الآن. آمنا بها إيمان تسليم. هذا كله بالنسبة لمعجزات الأنبياء ابراهيم ونوح وعيسى وسليمان وموسى. أما بالنسبة لمعجزة محمد (ص) فهو على العكس تماماً. إذ كان الإيمان بعلوم النبوة عند المؤمنين الأوائل إيمان تسليم، حين كانت أرضيتهم المعرفية لاتستطيع استيعاب وفهم ما جاء به النبي (ص) من حقائق علمية، ثم أصبح الإيمان عندنا اليوم بنبوة محمد (ص) إيمان تصديق، وبعد أن رأينا رأي العين إثبات العلم لكثير مما جاء به.
لقد كان إيمان أوائل الصحابة بآيات القرآن إيمان تسليم، فعمر بن الخطاب يقول " ما فهمتموه من القرآن فافهموه، وما لم تفهموه فكلوه إلى ربه". وقد حار أبو بكر وعمر في معنى (الأب) بقوله تعالى ( وفاكهة وأبا) عبس 31. لكننا نعرف اليوم بمقاطعتها مع قوله تعالى (متاعاً لكم ولأنعامكم) النازعات 33، أن الأب هو العشب وهو كل ما تأكله الأنعام من النباتات. عليك أن تنزعي من ذهنك ما هو موجود في بعض كتب التفسير، وما يتشدق به بعض خطباء الجوامع بدافع الغباء من أن القصص القرآني إنما نزل لتسلية النبي والترويح عنه، فهذا ليس أكثر من كلام فارغ.
أنتهي أخيراً إلى المراد بالجنة التي وعد الله تعالى بها المؤمنين. فلقد أصبت يا أختاه في أصل معناها اللغوي، وفي أن ثمة جنتين، وأن هذا المفهوم دنيوي أخروي. فالله تعالى يقول في المعنى الدنيوي( واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب) الرحمن 62. ويقول في المعنى الأخروي (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) آل عمران 133. فهناك جنة في الدنيا نحن نعمل لنبنيها ونعيشها، وهناك جنة في الآخرة نحن نعمل لنفوز بها. وبين هذه وتلك وجوه تشابه ووجوه اختلاف، توسع التنزيل الحكيم في تفصيلها ترغيباً بالعمل الصالح المفيد الذي ينفع الناس. ولعل أبرز وجوه الاختلاف هو أن الجنة الأخروية تنتفي فيها ظاهرة العمل، وتختفي فيها ظاهرة الموت، وينفصل فيها الخير عن الشر.
لقد كان ماركس طوباوياً واهماً حين حاول خلق فردوس سماوي على الأرض، في مجتمع شيوعي تذوب فيه ظاهرة الدولة والعمل، وتسود فيه قاعدة مادية للإكتفاء. ونسي أن هذا لايمكن تحقيقه إلا باختفاء ظاهرة الموت. أي أنه خرج من الطوباوية من الشباك ودخل إليها من الباب (لمزيد من الشرح والتفصيل، أنظر كتابي الأول / الجنة والنار والساعة والصور).


الاسم غيداء البلد -
الفاضل د/ محمدشحرور..
ورد في القران اية تدل على حفظ "الذكر" في قوله {انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون}.
في تعليمنا المدرسي المؤدلج -طبعا في السعودية- علمونا ان الذكر هو اسم للقران كالفرقان والبيان وغيرها؛ ولكني اطلعت في النت على اجتهادات اخرى تقول بان الذكر شيء اخر غير القرآن,فالقرآن اسم جامع للذكر (ويقصد به مانزل على ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد) اي امور التوحيد المشتركة بين الديانات السماوية, دون ان يتضمن الذكر احكام الفقة والتعاملات والاحداث والقصص..
ولهذا فان الحفظ هو للذكر منذ الانبياء القدماء,وليس للقران, لان القران يتضمن الذكر ويتضمن اشياء اخرى ليس بالضرورة ان تكون لم تتغير منذ ان نزلت على النبي, والدليل اختلاف مصاحف الصحابة الذين كانوا في عهد الرسول نفسه وان عثمان اصطفى بعضها فقط وترك الباقيات, ثم ان التي اصطفاها عثمان بينها من الاختلاف الشيء الكثير..
1- سؤالي عن رايك في الفرق بين الذكر وبين القران, وهل فعلا لم يتغير القران منذ ان انزل؟
2- هل ترى ان ايات الجهاد والقتال وردت لظروف معينة في عهد الرسول ثم نسخت بايات التسامح والعفو بعد ان استقر المسلمون في المدينة؟ وكيف يمكن ان نتعامل مع فكرة الناسخ والمنسوخ في القرآن لان بعض المتطرفين الذين يؤيدون العنف والارهاب يقولون بان آية {لااكراه في الدين} قد نُسخت بآية {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله} قال ذلك احد المشائخ السعوديين واسمه صالح الفوزان في معرض تأييده لعدم إقامة حوار مع الغرب وضرورة البراءة منه دون أن يثبت لنا مسوغات رايه ذلك بحجة أنه عالم ولايمكن مناقشته فيما يقول....
3- مارأيك في فكرة الولاء والبراء التي يعتبرها الوهابيون المدعومون من الحكومة السعودية هنا- أنها من اهم ركائز الدين,فيكفرون بناء عليها كل من يعجب باي منجز غربي او يستنكر احداث سبتمبر المؤلمة أو يتعاطف مع اي غربي, فيرونه قد خرج من الملة بحجة اعجابه بالغرب مما يعني ميله نحوهم وبالتالي فيعتبرونه معاد لله ورسوله من منطلق فكرة الولاء والبراء..
وتقبل التحية،،
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى غيــداء :
غفر الله لي ولك يا أختاه.. فلقد أمضيت أكثر من عشر سنوات أبحث عن الفرق بين الكتاب والقرآن والفرقان والذكر وأم الكتاب، وفي الفرق بين النبوة والرسالة، وبين الألوهية والربوبية. ثم كتبت بعدها نيفاً وثمانمائة صفحة في كتابي الأول (الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة) أتبعتها بنيف وسبعمائة صفحة أخرى في كتابي الثاني (الدولة والمجتمع) وفي كتابي الثالث (الإسلام والإيمان – منظومة القيم) وكلها تدور حول بضعة محاور، هي الفرق بين القرآن والذكر والكتاب والفرقان، ورأيي في الناسخ والمنسوخ، والفرق بين الإسلام والإيمان والأب والوالد والعباد والعبيد، ورأيي في أسباب النزول. ثم تأتين مع آخرين لتسألي بكل بساطة عن رأيي في الفرق بين القرآن والذكر.
ومع ذلك وبكل المحبة ورحابة الصدر، أعود فأقول، إنني بدأت فأدركت أن الترادف يمنع الفهم الصحيح الدقيق كما ينبغي لآيات الله تعالى في تنزيله الحكيم الموحى. تماماً كما أدركت أن الرواية بالمعنى في الحديث النبوي واعتماد السند الراوي للخبر أساساً لصحة الخبر أو عدم صحته يمنع التطبيق والتأسي الصحيح الدقيق كما ينبغي للسنة الرسولية. فأوضحت أن:
1 - الكتاب هو مجموعة المواضيع التي أوحيت إلى الرسول (ص) من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وهذا ما يشير إليه تعالى في قوله (ذلك الكتاب لاريب فيه) البقرة 2. وفي آيات أخرى كثيرة. ويحتوي على النبوة والرسالة (المحكم والمتشابه وتفصيل الكتاب).
2 - أم الكتاب هي مجموعة الآيات المحكمات، أي الأحكام في مجال إفعل ولا تفعل. وهي الجانب التشريعي والشريعة في الرسالة المحمدية.
3 - القرآن هو مجموعة الآيات المتشابهات، علوم النبوة في الكون، التي جاءت تصديقاً للرسالة وإثباتاً للنبوة.
4 - السبع المثاني هي فواتح السور مثل : ألف لام ميم، حاء ميم، ياء سين ، .. وغيرها.
5 - تفصيل الكتاب هو الآيات التي لاهي بالمحكمات ولا هي بالمتشابهات، بل تحمل وصف وتعريف التنزيل الموحى، كقوله تعالى (إنا جعلناه قرآناً عربياً) فصلت 3 وقوله تعالى (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) يوسف 2.
6 - الذكر، هو الصيغة اللغوية الصوتية القابلة للنطق للكتاب كله. وهو الصيغة التعبدية. ولذا قال تعالى (ص والقرآن ذي الذكر) ص1 ، وقال (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) القمر 17 و 22 . وهو الصيغة التي تكفل الله بحفظها فقال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر 9. وقد وصف تعالى القرآن بأنه عربي (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) يوسف 2، ووصف الأحكام بأنها عربية (وكذلك أنزلناه حكماً عربياً) الرعد 37. لكنه لم يقل إن الذكر عربي أو إن الكتاب عربي، لأن السبع المثاني (فواتح السور) هي من الكتاب ومن المتشابه، لكنها ليست عربية ولا تركية ولا إنكليزية، إنها مقاطع صوتية يتألف منها الكلام الإنساني وليست لغة.
وقد ورد مصطلح الذكر في التنزيل الحكيم بمعان متعددة أولها بمعنى اللفظ والنطق، كما في قوله تعالى (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) الإسراء 46، وقوله تعالى (وذكر اسم ربه فصلى) الأعلى 15. وبمعنى الذكر خلاف النسيان، كما في قوله تعالى (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) الكهف 63، وقوله تعالى (واذكر ربك إذا نسيت) الكهف 24، وبمعنى الشكر والحمد كما في قوله تعالى (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) البقرة 152، وقوله تعالى (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم) الحج 34. وبمعنى التسبيح والدعاء كما في قوله تعالى (واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والابكار) آل عمران 41، وقوله تعالى (كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيرا) طه 34. وبمعنى الرفعة وعلو الشأن كما في قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) الإنشراح 4. وبمعنى الوحي السماوي كما في قوله تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) الأنبياء 105، وقوله تعالى (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين) الأنبياء 48، وبمعنى العبرة والعظة كما في قوله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) القمر 17و 22 ، وقوله تعالى (وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) الأعراف 2. وبمعنى الخبر والنبأ كما في قوله تعالى (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا) الكهف 83. وقوله تعالى (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا) طه 99.
أما سؤالك: هل فعلاً لم يتغير القرآن منذ أن نزل؟ أقول بايجاز: لاتوجد مؤشرات تدعو إلى الاعتقاد بأن التنزيل تغير منذ أن نزل!!
وأما عن القول بالنسخ في آيات وأحكام كتاب الله تعالى، كما في كتب الناسخ والمنسوخ للواحدي والسيوطي وغيرهما، فهول ليس عندنا بشيء، وقد فصلنا ذلك في الكتاب الثاني (دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتمع) صفحة 271 وما بعدها. والعجيب إن القائلين بالنسخ لم يكتفوا بإرساء مقولة أن الآيات تنسخ الآيات، بل ذهبوا إلى القول بأن الحديث النبوي ينسخ أحكام الكتاب. ونتج عن ذلك نتائج مضحكة ومحزنة معاً، فقالوا في قوله تعالى( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) الأعراف 199 إن الأخذ بالعفو في أولها منسوخ، والإعراض عن الجاهلين في آخرها منسوخ، والأمر بالعرف فقط هو الساري.
لقد أرسى فقهاء السلطان فهماً معيناً لكتاب الله، فرضوا على الناس ألا يخرجوا عنه، وزعموا في سبيل ذلك نسخ كل الآيات التي تعارض وتنفي أقوالهم. فآيات القتال في سورة الأنفال وسورة البقرة وسورة محمد تنسجم تماماً مع روح التسامح في قوله تعالى (لاإكراه في الدين).
إن تفريقنا كما ينبغي بين الإسلام والإيمان، يقودنا إلى التعامل مع الآخرين في الغرب وغيره على أساس الإسلام لا على أساس الإيمان، فالإسلام هو القاعدة. حسبما أشار تعالى في قوله (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران 64. وفي قوله( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) الحجر 2.
إن مجرد الإعجاب بالغرب وتقدمه التقني، ومجرد التعاطف مع شعوبه فيما يحل بهم من كوارث ومآسي لايستوجب التكفير، ولا يجوز اعتباره داخلاً تحت عنوان الموالاة والولاء في قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) المائدة 51، وقوله (ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) التوبة 23. وقد أشار الإمام محمد بن عبد الوهاب، وكثير غيره من الإئمة، إلى مسألة الموالاة والولاء الواضحة في كتاب الله تعالى، والمشكلة كما نراها ليست في المبدأ، بقدر ماهي في التطرف المتشدد في التطبيق وتوظيفها سياسياً وفكرياً بحيث تصبح سيفاً مسلطاً على رؤوس الناس وخاصة المفكرين وفي منع حرية الفكر والنشر والكلمة وقد حدث هذا فعلاً بشكل يخرج بها عن المنطق والمعقول.


الاسم راعي إبل البلد -
المفكر المسلم د . م . محمد شحرور
جزاك الله عنا ألف خير .... أخذت بأيدينا وعقولنا إلى أصدق الحديث .... فوجدناه عربيا مبينا .... حفظك الله و أثابك بما تستحق من الأجر ومنا الشكر والدعاء .
هذه أسئلتي اّمل أن يتسع صدركم لها :
1- في كتابكم الدولة والمجتمع .... في الفصل التاسع منه وتحت عنوان الجهاد .... كنت ياسيدي تورد اّيات عن القتال في سياق الحديث عن الجهاد .... ألا ترى من خلال اّيات القراّن الكريم أن الجهاد في سبيل الله يختلف عن القتال في سبيل الله .
2- هل لقب ( شيخ ) من الدين الإسلامي ؟؟؟ وإن كان الجواب بالنفي .... فمن أين جاء .
3- الإجماع والقياس .... متى بدأ الأخذ بهما في الإسلام ؟؟؟ هل كان ذلك في عهد الخلفاء الراشدين أم بعدهم ؟؟؟ ومن هو أول من أقرها كمصدر من مصادر التشريع .
أكرر شكري لكم دكتور ولفريق طوى على هذه المفاجأة السارة .... شكرا لمنتدى طوى لإستمراره في إستضافة المبدعين والمفكرين .
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى راعي إبل :
1 - لقد أحسنت بقولك إن الجهاد يختلف عن القتال. فالجهاد عام والقتال خاص. أي أن القتال حالة خاصة من حالات الجهاد. فالجهاد يدخل فيه المظاهرات والندوات والمحاضرات والإصلاحات، ثم يأتي القتال كحالة خاصة وأخيرة. ولما كانت كل هذه الأنشطة الجهادية – عدا الجهاد بالنفس – تحتاج إلى أموال، فقد حصر التنزيل الحكيم الجهاد في بندين هما : المال والنفس. وهناك حالة خاصة أخرى للقتال هي الحرب. فالقتال قد يكون فردياً أو جماعياً، أما الحرب فلا تكون إلا جماعية. ومن هنا يقول تعالى في مجال الحرب (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما من بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) محمد 4. فالكفار هنا هم المحاربون، الذين أعلنوا الحرب. فالألمان مثلا كفار بالنسبة لروسيا حين هاجموها وأعلنوا الحرب عليها. وكذلك الصهاينة بالنسبة لنا في فلسطين. والذين وقفوا ضد النبي (ص) وحاربوه هم الكفار من أهل الكتاب، أما الذين لم يحاربوه فهم من أهل الكتاب فقط.
2 - لقب الشيخ في التنزيل الحكيم له معنى واحد لاغير، يشمل المواضع الأربعة التي ورد فيها، هو الطاعن في السن غير القادر على الإنجاب. ثم تطور اللقب وأخذ معاني عدة جديدة بمرور الزمن. فالفقيه شيخ كالشافعي، والقارئ شيخ كعبد الباسط عبد الصمد، ووجيه القوم وأميرهم شيخ كرفيق الحريري وزايد بن سلطان. والمعلم شيخ حسبما كان دارجاً في بلاد الشام عن معلمي الكتاتيب. والشيخ عند المريد هو الذي يلقنه ويعلمه علوم الدين وغيرها.
3 – الإجماع والقياس أساسان من أربعة أسس للفقه الإسلامي، وصفها الإمام محمد بن ادريس الشافعي في كتابه (الرسالة) ، وهي :
القرآن – وهو الكتاب وآيات الآحكام .
السنة – وهي كل قول أو فعل أو إقرار ورد عن النبي .
الإجماع – إجماع الصحابة .
القياس – الحكم في مسائل جديدة قياساً على حكم في مسائل سابقة مشابهة ورد في القرآن أو السنة أو الإجماع.
إن لكل أساس من هذه الأسس الثلاثة الأخيرة إشكالياته الخاصة به، التي يضيق المجال عن تفصيلها. فرواية الحديث بالمعنى والتساهل في السماع – مثلاً – من إشكاليات السنة النبوية، واعتبار النبي معصوماً في كل ما يقول ويفعل عصمة تكوينية إشكالية أخرى، واعتماد أشخاص الرواة في إقرار صحة الحديث أو عدم صحته إشكالية ثالثة. إما الإجماع- إجماع الصحابة – الذي أضيف إليه فيما بعد إجماع التابعين وأئمة المذاهب والطوائف ورجالهم وفقهائهم – فإشكاليته أنه لم يحصل أن تم حذف أي إجماع من أي نوع كان على أي رأي فقهي أو حدث تاريخي، لا بين الصحابة، ولا بين من جاء بعدهم.
ولعل أخطر هذه الأسس الثلاثة، التي تكرس التقليد وتقليد الآبائية، هو القياس. فقد تحول العقل العربي على يد الشافعي وعلى مدى 12 قرناً تالية إلى عقل قياسي. والعقل القياسي المقلد الملتزم بحرفية ما قاله السلف لايبدع ولا ينتج ولا يفكر بالأصل. فكانت النتيجة أن العقل العربي لم ينتج أية معارف جديدة خلال القرن العشرين كله. لقد تعلمنا وقلدنا الغرب في إنتاج بعض الأدوية والأجهزة والآلات، لكننا لم نتعلم إنتاج المعرفة. لقد جعل القياس من مناهج التعليم تلقينية مهمتها أن تجعل الطلاب يحفظون عن ظهر قلب ما قاله السلف. فالجامعات عندنا تقوم بتخريج الآلاف لكنها لاتنتج المعرفة حتى بالآحاد. وما دام العقل القياسي هو المسيطر، وما دامت روح التقليد والقياس هي السائدة، فلا يمكن أن نتصور إنساناً عربياً واحداً معاصراً ينتج أفكاراً تختلف عن أفكار المعتزلة مثلاً أو الأشاعرة أو الصحابة. فالإنسان العربي اليوم يبحث دائماً بعقله القياسي عن أصل يقيس عليه، وهذا يحصل مع كثير من الناس إلا من رحم ربي.


الاسم التائه البلد -
المفكر الكبير الدكتور شحرور:
تحية طيبة,
في حديث الفرقة الناجية ثمة صراع بين كل فرقة لتكون هي الفرقة الناجية, فالوهابيون عندنا بوصفهم المسيطرون فعليا على حياتنا وفكرنا واعلامنا بدعم من الحكومة يروجون بقوة على انهم هم الفرقة الناجية وماعداهم في جهنم, بالتأكيد هم لايفضلون ان يتسموا بالوهابية ويقولون السلفيين او اهل السنة والجماعة.. لكن الجميع يعرف انهم يمثلون مذهب فكري متزمت هو الوهابية مهما حاولوا التنصل منه..
ألا ترى ان هذا الحديث غير صحيح بسبب متنه المتهاوي الذي يفترض ان من (أمته) لاحظ أنه سماهم أمته,ثم يدخلهم النار سوى فرقة!! ثم ان هذا الحديث يفترض وجود سلوك خاطيء ديني خفي يؤدي بالشخص الى جهنم مهما فعل من عبادات، فالحديث لايبين سبب الدخول في النار سوى انهم ليسوا من الفرقة الناجية؟
نقطة اخرى: تتعلق بأحداث سبتمبر الفظيعة التي نفذها 15 سعودي تحت زعامة ابن لادن وهو سعودي ايضاً.
ألا ترى أن هذا الفعل العنيف الذي يدعي الاسلام ويمارس الارهاب باسمه له علاقة بالفكر الذي أسسه، وأقصد الفكر السلفي المتزمت وهو المتبع لدينا والذي تدعمه الحكومة وتحارب كل من ينتقده أو لايتوافق معه 100% سواء بأن تفصله من عمله (مثال حسن المالكي طرد من وظيفته بسبب انتقاده للمناهج الدينية المدرسية,ود/ محمد الحسن كذلك طرد من وظيفته كاستاذ في الجامعة بسبب اعتراضه على التفرقة العنصرية ضد كل من ليس وهابيا) أو تقيم عليه حد القتل لأنه في نظرهم مرتد (مثال شخص شيعي اسمه مال الله قتل بالسيف لأن له آراء تخالف ابن باز وغيره من مشائخ نجد) أو تسجنه وتعذبه (مثال المالكي في مكة) أوتنفيه من البلد (مثال القصيمي),وغيرهم كثير..
ثم ألا ترى أنه يجب أن نأخذ من احداث سبتمبر درساً لاعادة النظر في الفكر الديني الذي خرج هذه العينة ممن يريدون تدمير الحضارة وقطع أي فرص للتعايش مع الآخر؟إذ لاتزال جذور هذا الفكر المتطرف قوية ومتقدة ويمكن ملاحظتها من خلال البيانات التي أصدرها مجموعة من المتدينين في السعودية ضد أمريكا وضد الغرب ليس من حيث السياسة الخارجية لتلك البلاد وانما رفض للفكر الغربي بدينه وعرقه واعتقاد الشر الكامن فيه؟
وشكرا
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى التائــه :
حديث الفرقة الناجية، حديث نبوي معروف في كل كتب الحديث، لدى كل الطوائف والمذاهب السنية والشيعية وغيرها، التي تعتبر أنها هي الناجية، وأن كل الباقين في النار. وهو واحد من عدد من الأحاديث نلاحظ فيها أنها :
- تتحدث عن الغيبيات، الجنة والنار والحساب واليوم الآخر.
- لاتحوي حكماً سلوكياً محدداً يجوز معه اعتبارها سنة واجبة.
- لا توضح أسباب ومبررات ما نقرره من حقائق.
ويدخل في هذه المجموعة من الأحاديث، أحاديث الفضائل: فضائل أيام معينة وأماكن معينة وأشخاص معينين، وفضائل آيات على آيات وسور على سور. ولقد أوردت في كتابي الرابع " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي" ص 157 وما بعدها، ثلاثة أحاديث من بينها حديث الفرقة الناجية هذا، أخضعت متونها للتحليل، واستخرجت بالمقارنة ما فيها من تناقضات. وخلصت إلى أن أحاديث الغيبيات فيها ما يريب، لقوله تعالى بلسان نبيه الكريم " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) الأعراف 88، وقوله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا) الجن 26. وانتهيت إلى أنها لاتتضمن أحكاماً من أي نوع، وإلا فما هو المطلوب منا اتباعه والاستناد عليه اليوم في حديث يقول " إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثبتة تحت العرش".
لقد ألف الإمام الشهرستاني كتاباً شائعاً متداولاً هو "الملل والنحل" ، انطلق فيه تحديداً من حديث الفرقة الناجية. وأفرد غيره في كتبهم فصولاً كاملة لهذا الموضوع. كالإمام المقريزي في كتابه "الخطط المقريزية". وانطلق الإمام ابن تيمية في تكفير الفلاسفة وأرباب العلوم وغيرهم في كتابه "درء تناقض العقل والنقل" من هذا الحديث النبوي بعينه.
إن خطورة هذه الأحاديث والكتب تتمثل في النتائج التي نصل إليها تطبيقياً. فبعد أن خلطنا بين الإسلام والإيمان، نتج لدينا أن المسلمين هن أتباع محمد (ص) فقط. ولما كان هؤلاء يشكلون 20% من سكان الكرة الأرضية، فإن 80% من أهل الأرض في النار لمجرد أنهم ليسوا من أتباع محمد (ص). ثم يأتي حديث الفرقة الناجية ليقسم الـ 20% الأولى إلى 73 فرقة. كلها في النار عدا واحدة. وبحسبة بسيطة نفترض أن سكان الأرض 6 مليارات، نستنتج أن 5ر16 مليون إنسان فقط هم من أهل الجنة طبقاً لهذا الحديث، فأين المصداقية في قوله تعالى (وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين).
لاشك في أن للممارسات العدوانية لدول الغرب على مدى قرون التاريخ الاستعماري: هولندا، والبرتغال، واسبانيا، وإيطاليا، ثم فرنسا وانكلترا، وانتهاء بأمريكا اليوم، أثر بالغ في ترسيخ الكراهية لدى الأمم العربية والإسلامية، إنما لاشك بالمقابل في أن المرجعية التراثية والمنهجية التعليمية لدى الأمم المأخوذة من الأحاديث النبوية والمستقاة من أفعال وأقوال السلف لها أثر لايقل عن تلك في توليد العنف الذي أدى إلى أحداث 11 سبتمبر. فالمشكلة ليست مشكلة الجناح العسكري لحركة الإخوان المسلمين في الخمسينيات بمصر وفي السبعينيات بسورية، وليست مشكلة طالبان في أفغانستان، ولا مشكلة ابن لادن والسعوديين ال 15 في أحداث 11 سبتمبر بقدر ما هي مشكلة المرجعية السلفية لدى هؤلاء، وهي ذات المرجعية عند شيخ الأزهر والإمام القرضاوي، فأصول استنتاج الأحكام، واعتبار القرارات السياسية السلفية من الدين، واحدة عند الطرفين، لكن الطرف الأول استعملها وترجمها إلى أفعال والطرف الثاني سكت عنها.. وهذا كل ما في الأمر.
أذكر أن آخر محاضراتي بتاريخ 1/9/2002، كانت حول الإصلاح الثقافي والديني ووجوب البدء به قبل أي إصلاح سياسي. إذ كيف نطالب مثلاً بإلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية على الصعيد السياسي والاجتماعي ولدينا قاعدة دينية شرعية اسمها "باب سد الذرائع" ؟ وهل الإسقاط السياسي لباب سد الذرائع إلا الأحكام العرفية؟!
هناك من يقول لإننا نعيش مرحلة صراع حضارات: الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية .. وهذا وهم. لأن الحضارة العربية الإسلامية اليوم لم تعد أكثر من حضارة ذاكرة لم يبق لها وجود على أرض الواقع.. حضارة قال زيد وقال خالد وقال ابن خلدون، ومع ذلك يتصورون أنها يمكن أن تواجه حضارة دخلت إلى ملابسنا الداخلية وإلى مطابخنا وغرف نومنا، والعجيب أن من يسمي الغرب "دار الكفر وبلاد الكفار" ويطبقون أحكام الردة والنفي والتكفير والعمالة وقوانين الولاء والبراء على خصومهم في الفكر، هم أول المتهالكين على نتاج الحضارة الغربية.. من سيارات وثلاجات ومكيفات وساعات وحواسيب وآليات طرق وجسور ومصافي نفط وطائرات ومحطات فضائية.. والمتأمل في المسجد الحرام والمسجد النبوي لايحتاج إلى وقت طويل وذكاء كبير ليرى أن الحضارة الغربية وليست العربية الإسلامية هي التي جعلتهما في الوضع الرائع الجميل الذي نراه الآن. وقس على ذلك المشافي وغرف العمليات وأجهزة التخدير ومعامل الأدوية والأسمدة والحراثة والحصاد والنقل ولا تنسى البريد والبرق والهاتف والتلفزيونات وأجهزة التحكم عن بعد.
ما نريد قوله هو أن الحضارة إنسانية. هناك صراع مصالح وسياسات وسلطات.. أما صراع حضارات فلا . فالحضارة صرح واحد شاركت في بنائه كل الشعوب ليونانية والهندية والفارسية والعربية والأوربية على مدى مراحل التاريخ، وكنا في فترة من الفترات قادة المشاركين في بناء هذا الصرح، لكننا تخلفنا عن الركب حين توهمنا أن الحضارة الإسلامية تنحصر فقط وفقط في الحجاب الشرعي وبناء المساجد وصوم رمضان، وإطلاق اللحى، وأهملنا اتقان العمل والالتزام بالمواصفات والعدل في القضاء النزيه، وشجعنا على بناء المساجد وأهملنا دور الأيتام والعجزة والمنشآت الثقافية والاجتماعية، ثم أطلقنا على نقوم به اسم "الصحوة الإسلامية" بينما هو في حقيقة الأمر "صحوة إيمانية" .
يقول تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) المائدة 69. ويقول (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" الحجرات 13. وما يدعو إليه البعض من تكفير خلق الله وقطع أواصر التعارف والتقارب بين الأمم والشعوب، لغايات سلطوية وأهداف سياسية، هو في رأينا خروج عن القصد الإلهي وعن الروح الإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق