الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

الأسئله والأجوبه 25


الاسم جمال البلد -
كيف تحول القرآن من نص شفاهى تحفظه الالباب الى نص موثق و مكتوب ؟
ماذا تقول عن حال اللغه العربيه فى ذلك الزمن و خلوها من التنقيط و من علامات الحركات ؟ وكيف تم تنقيط النص القرآنى و متى ؟ وكيف وصلت الينا نسخة القرآن التى بين ايديناالان بنقطها وعلامات الحركات؟
اللغه العربيه لغه بشريه محكوم عليها مثل غيرها من اللغات بعدم التوقف واستمرارية التطور و التبدل فما علاقة ذلك بقدسية النص القرآنى باعتباره كلام الله المنزل بلسان عربى ؟
هل القرآن الذى اوحى الى سيدنا محمد بالمعنى فقط وهو الذى وضع الصياغه باللغه العربيه, اى هل القرآن مكتوب بلغه بشريه بما يعترى هذه اللغه من التطور او التبدل قبل القرآن و بعده ؟
اتمنى على شخصكم الكريم القاء الضوء فيما يقال حول النظام المعرفى الذى اسسه الشافعى فى القرن الثالث الهجرى و هو قائم على ان النص مقدس لانه لغه و رساله ليسا من صنع البشر و محاولة اختراق هذا النظام معناها تبيان انه اذا كانت الرساله آلهيه فان اللغه ليست الهيه بل هى بشريه كما هو شأن الكتب المقدسه كلها , هذا جانب
واما جانب الوحى فهو نظام تواصل غير لغوى و بذا فوحى القرآن للنبى محمد لم يكن عبر النظام اللغوى و عليه فان صياغة الرساله انسانيه ....

ماهو الفرق فى البحث فى النص القرآنى من داخل دائرة الايمان او من خارج دائرة الايمان وايهما اصعب ؟ ولماذا ؟

انتم تعلمون استاذنا الفاضل انه اذا اقترب الامر من النص القرآنى تتولد نقاط احتقان حساسيه نظرا للارتباط المكيانيكى بالدين , فما هو تفسيركم لذلك الاحتقان وتلك الحساسيه مع العلم ان ذلك يؤدى للتعمق فى الايمان ؟

لماذا لم يأمر الرسول خلال كل فترة الوحى و حتى مماته بجمع القرآن و حفظها داخل كتاب واحد بل تم ذلك فى عهد عثمان بن عفان ؟

هل صحيح و بحكم تاريخية النص القرآنى ان هناك اجزاء منه سقطت بحكم التاريخ و اصبحت شاهدا تاريخيا , اى تحولت من الدلالات الحيه الى مجالات الشاهد التاريخى ؟ برجاء ذكر بعض الامثله

ماذا تقول فى ان القرآن مجموعه من النصوص التى رتبت ليس وفقا لترتيب نزولها الزمنى ولكن وفقا لتراتيب اخرى لم تكتشف بعد ؟

الحقيقه التاريخيه تؤكد لنا ان ترتيب القرآن الحالى ليس هو ترتيب النزول فلماذا لم يترتب القرآن بحسب نزول آياته ؟ و هل يعتبر هذا تشكيك فى الحكمه الآلهيه او قدسية النص ؟

ماهو فى رأيكم اهم اسباب عدم وجود مؤسسات دراسات اسلاميه تقترب من اللامفكر فيه للان وتدرس القرآن باعتباره موضوع دراسه اى يدرس تاريخيا و تحليليا وليس موضوع ايمان و وعظ و
تفسير فقط ؟

يعتبر الوحى كلام الله بلغة محمد و الشافعى يعتبر السنه هى الحكمه المذكوره فى القرآن و الفرق بين السنه و القرآن هو ان السنه هى كلام الله الموحى الى محمد ولكنها ليست لغة
الله بل هى لغة محمد اى ان الشافعى ميز بين القرآن و السنه بأن القرآن متعبد فى قراءاته لان الصياغه هى صياغة محمد , و السؤال
هل كان القرآن قبل ظهور هذا التمييز كلام الله ولغته فى الوقت نفسه ام لا ؟

لو اقتلعنا السنه من الفكر الاسلامى لما بقى شئ هناك فهل هذا القول صحيح ؟
وبالتتابع هل صحيح ان القرآن اكثر حاجه الى السنه من حاجة السنه الى القرآن ؟ و كيف ذلك ؟
البريد الإلكتروني - التاريخ 23/12/03
إلى الأخ جمــال :
لقد أحصينا في رسالة الأخ جمال أكثر من عشرين سؤالاً ليست السطحية من صفاتها، يحتاج كل منها – عند من يحترم الكلمة ويتصدى للإجابة – إلى ملخصات ومراجع، وإلى ما أشار إليه التراث وبحثه، وإلى ما درسه المختصون اليوم، كما يحتاج إلى عشرات الصفحات لتأتي الإجابة شافية وكافية. ومع ذلك أقول: حباً وكرامة.. سأحاول بإيجاز!!
ثمة عدد من الأسئلة يدور حول تدوين التنزيل الحكيم وتنقيطه وإعرابه، وكيف تحول من مسموع ملفوظ إلى مخطوط مقروء، وحول ترتيب آياته وسوره ثم وضعه في مصحف، ودور النبي في صياغته، أجمل الإجابة عليها كما يلي:
لقد نزل الوحي الإلهي على قلب الرسول الصادق الأمين نصاً عربياً مسموعاً باللفظ والمعنى. وإذا كان ثمة من يزعم أن الوحي نزل مكتوباً في قرطاس بسفط من ديباج جاء به جبريل من عند ربه فهذا ليس عندنا بشيء. وليس أكثر من محاولة ساذجة لإعلاء شأن النبي (ص) وإثبات أنه ليس أقل شأناً من موسى (ع)، ون التنزيل الحكيم ليس أقل شأناً من الألواح. ودليلنا على ذلك أن المشككين بالنبوة المحمدية طلبوا منه أن يريهم كتاباً تنزل عليه من السماء، فسخر منهم تعالى في كتابه الكريم. يقول تعالى (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء..) النساء 153. ويقول (ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) الأنعام 7. والقرطاس هو ما يكتب عليه والكتاب هو المحتوى. وإذا كان ثمة من يزعم أن الوحي نزل بالمعنى، وأن الصياغة محمدية، فهذا أيضاً ليس عندنا بشيء. فلقد سبق البعض أن طلب من النبي إدخال بعض التعديلات فسخر منهم تعالى على لسان رسوله الكريم (ص) فقال (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) الكهف 110، وقال (قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربي) الأعراف 203، وقال (إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به) الأحقاف 23، وقال (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) يونس 15. وقال (فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) البقرة 181. ثم يحسم تعالى مسألة التبديل في النص الموحى والإضافة إليه أو الإنقاص منه بقوله (ولو تقول علينا بعض الأقاويل* لأخذنا من باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين) الحاقة 44،45،46.
درج بعض أنصاف المثقفين على الظن بأن التنزيل الحكيم جرى جمعه وتوثيقه خطياً في عصر الخليفة عثمان بن عفان، وهذا عندنا مجرد وهم فارغ. فقد تم ذلك على يد كتبة الوحي بتوجيه نبوي صحيح وثابت. وكانت نسخته الكاملة عند أبي بكر بعد وفاة النبي (ص)، ثم انتقلت إلى عمر بن الخطاب من بعده، مرتبة حسب العرضة الأخيرة (أي المراجعة الأخيرة) التي قام بها جبريل الأمين، هذا الترتيب الذي اقتضت الحكمة الإلهية في الإعجاز ألا يكون بحسب النزول ولا بحسب المواضيع. ثم جاء عثمان، وليس لدى الناس سوى هذه النسخة الوحيدة. ولم يكن هناك مبرر وقتها – بوجود هذه النسخة – لتأليف لجنة الجمع الشهيرة التي شكلها عثمان برئاسة زيد بن ثابت الأنصاري (كات الوحي الحاضر مع النبي في العرضة الأخيرة). لولا ما شاع وقتها عن وجود مصاحف أخرى – غير النسخة التي تحدثنا عنها – لدى بعض الصحابة كإبن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب، من جهة، ولولا حاجة الأمصار الإسلامية بعد اتساعها وتعددها إلى نسخة معتمدة تقطع دابر الخلاف الذي بدأت بوادره تكاد تطال النص المقدس الموحى.
نحن على الأرجح لانعرف الكثير عن النسخة المعتمدة التي وزع عثمان بن عفان نسخاً منها على الأمصار. لكننا نعرف بالتأكيد أنها كانت خالية من التنقيط وحركات الإعراب من ضم وفتح وخفض وسكون. وعبارة "الرسم العثماني" التي نراها اليوم على بعض المصاحف، لا علاقة لها بالخليفة عثمان بن عفان. ثم اقتضى اتساع الدعوة ودخول الفرس والروم والهنود في الدين وانتشار اللحن في قراءة القرآن إلى استحداث التنقيط والحركات حفظاً لسلامة النص وصحته، فقام علماء اللغة الأجلاء بذلك كل في عصره من أمثال أبي الأسود الدؤلي وعاصم كاتب الحجاج، وغيرهما مما يمكن الرجوع إلى المظان والمراجع في تفصيله.
أنتهي بعد ذلك كله إلى القول بأن بحث الإنزال والتنزيل كما ورد في كتابي الأول "الكتاب والقرآن / قراءة معاصرة" يتلخص في أن الرسول (ص) بالنسبة للتنزيل الموحى لا علاقة له لا بالنص ولا بالمحتوى، وكانت مهمته التطبيق فقط باتباع ما يوحى إليه، كما تقول الآيات، وستجد الإجابات الشافية في هذا البحث.
ثمة عدد آخر من الأسئلة يدور حول السنة النبوية. أرى مرة أخرى أن الإجابة على كل منها يقتضي صفحات وصفحات. ولو أن أخي جمال – غفر الله له ولنا – تلطّف بالعودة إلى ما كتبته في كتابي الرابع " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي" لوجد في بحث السنة النبوية أجوبة معظم تساؤلاته.
يزعم البعض – لسبب وجيه سيرد لاحقاً – أن النبي (ص) هو المقصود بقوله تعالى (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى). وأنه لهذا يتمتع بعصمة تكوينية في كل ما قاله وفعله طوال حياته. هذه العصمة قابلة للإنتقال وفق آليات النسب، والصحبة، ووراثة علوم النبوة (العلماء ورثة الأنبياء). وبناء على هذا فإن كل أقواله وأفعاله ملزمة واجبة تماماً مثل النص القرآني، لأن الوحي وحيان نص يتعبد بتلاوته وحكمة نبوية موحاة أشار إليها تعالى في قوله (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) الأحزاب 34. هذه السنة النبوية من قول وفعل وإقرار تمثلها كتب الحديث بمسانيدها وسننها ومستدركاتها وصحاحها مضافاً إليها جميع كتب الفقه المستنبط منها، باعتبار أن أصحابها من ورثة النبوة. ولا يمكن فهم التنزيل الحكيم إلا على أساسها، ومن هنا فإن القرآن بحاجة إلى الحديث النبوي، فإذا سقط الحديث .. سقط التنزيل !!
ولقد سادت هذه المزاعم قروناً متطاولة في الفكر الديني العربي والإسلامي، وما زالت سائدة إلى اليوم. ففي إحدى حلقات برنامج "نقطة ساخنة" بمحطة ART الفضائية، قال أحد دكاترة الدين في دمشق " القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن"، فاندفع صديقي محمد جميل القصاص، أحد الباحثين الإسلاميين، صائحاً به "اتق الله فيما تقول يا رجل" فتصدى له تلامذة الدكتور ومريدوه وكادت أن تحصل معركة.
إن من الطبيعي ونحن نقول هذا أن يخطر للمتأمل أن يستنتج أن مرور هذه القرون على هذه المزاعم دليل على صحتها. وأن يتساءل ألم تفرز الأمة الإسلامية معارضين لهذه المزاعم لهم رأي آخر؟
أقول: نعم .. لقد كان بكل تأكيد!! أولهم الإمام النعمان أبو حنيفة، إمام مدرسة الرأي، الذي لم يكن يؤمن بفكرة تقديس السلف ومعصومية الصحابة، وقوله المشهور " نحن رجال وهم رجال" أبلغ دليل على هذا. وكان لمدرسة الرأي هذه بقيادة الإمام أبو يوسف – تلميذ النعمان – جولات وصولات مع السلفيين من مدرسة الحديث بقيادة الإمام الشافعي، وكان لها أثر بارز فيما أصبح يسمى "مدرسة العقل" عند المعتزلة.
لقد احتدم الصراع الفكري والسياسي بين مدرستي الرأي والحديث، العقل والنقل حسب تعبير ابن تيميه، لينتهي على يد المتوكل لصالح مدرسة الحديث والنقل، وما زال كذلك إلى اليوم. أعود إلى ما كنت فيه.
فأما الزعم بعصمة النبي فيدحضه قول الله تعالى (عبس وتولى، أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزكى) عبس 1 –3. وقوله ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ..) التحريم 1.
وأما جواز انتقال عصمة النبوة بالنسب، فقصة امرأة نوح وابنه دليل واضح على عدم جوازها أو وجودها أصلاً.
وأما أن المعنى بقوله تعالى (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)، هو النبي محمد (ص) وحديثه النبوي، فإن الإمام الرازي يقول في تفسيره: " المشهور عند بعض المفسرين أن النبي ما كان ينطق إلا عن وحي، والضمير "هو" عائد على قول النبي وكلامه، ولا حجة لمن توهم هذا في الآية.. فهو يدل على أنه (ص) لم يجتهد، وهو خلاف الظاهر فإنه اجتهد في الحروب وحرم ما أحل الله (التحريم 1) وأذن لمن لم يأذن له الله (التوبة 43). وعلى ما ثبت فإن الآية لاتدل عليه" ج 28 ص 244 .
وأما أن الحديث النبوي مبين للنص الموحى وشارح له ومفصل لآياته، فإن الله تعالى يصف كتابه الكريم بالوضوح والإبانة والهدى في عشرات الآيات، فيقول (يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم) النساء 176، ويقول (ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) هود1.
وأم أن الحديث متمم ومكمل للتنزيل فهذا يفترض النقص وعدم الاكتمال في كتاب الله تعالى، بينما يقول تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) المائدة 3.
وأما أن القرآن أحوج للسنة من السنة للقرآن، فهو تحويل للفرع إلى أصل، وتحويل الأصل إلى فرع، لايقول به عاقل، ناهيك عن سوء الأدب الواضح في العبارة بحق الله تعالى وكتابه.
وأما ما زعمه الإمام الشافعي من أن الحديث النبوي هو الحكمة التي أشار إليها تعالى في الأحزاب 34، فيكفي أن نسأل المدافعين عن هذا الزعم اليوم عن معنى قوله تعالى عن المسيح (ع) (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)، فإن قالوا أنه تعالى يعلم عيسى الحديث النبوي المحمدي، كان هذا محالاً. وإن قالوا أنه يعلمه الحديث النبوي العيسوي لزمهم أن يأمروا الناس باتباعه، وهذا محال أيضاً. وقل مثل ذلك في قوله تعالى عن داوود (ع) (وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء)) البقرة 251 وقوله عن لقمان (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر الله) لقمان 12. ويبقى أن نبين أن الحكمة لوحدها لا تحتاج إلى نبوة بدليل لقمان وبدليل قوله تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا) والحكمة لاتنقطع على إلسن الحكماء إلى أن تقوم الساعة. وميزة الحكمة أنها مقبولة إنسانياً لذا لايوجد فيها أحكام شرعية مثل قول النبي (ص) " من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيراً أو فليصمت" هذه من الحكمة.
أخلص أخيراً إلى القول بأن تجارة الحديث النبوي ليست جديدة في جدول نشاطات رجال الدين. فها هو الخليفة الوليد بن عبد الملك يسأل الزهري: ما حديث يحدثنا به أهل الشام، أن الله إذا استرعى عبداً من رعيته كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات؟ قال: باطل يا أمير المؤمنين. أنبي خليفة أكرم على الله أم خليفة غير نبي؟ قال : بل نبي خليفة. قال: فإن الله يقول لداوود (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ص 36. فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبي خليفة، فما ظنك بخليفة غير نبي؟ قال الوليد: إن الناس ليغوونا عن ديننا.
بعد هذا كله نستطيع أن نقرر بكل ثقة، أن النبي (ص) مارس الشكل التطبيقي الأول – وليس الوحيد – لأحكام التنزيل الحكيم النظري الموحى، حسبما رآه مناسباً لظرفه الزماني والمكاني، وفق الأرضية المعرفية السائدة. وأن نستنتج بكل ثقة أن التنزيل لن ينتقص منه استبعاد الحديث النبوي وفقه الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولن يتسبب ذلك في عدم فهمه، أو انهياره أو تفريغه من محتواه كما يزعم البعض. وأن نتبين بكل وضوح أننا إذا سلمنا جدلاً بأهمية الحديث النبوي في شرح وبيان التنزيل الحكيم، فإن ما بين أيدينا من كتب حديث وفقه لا تمثل مطلقاً السنة النبوية باعتبارها تطفح بالمتناقضات والاختلافات، مما يدل على أنها ليست من عند الله بشهادة قوله تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) النساء 82.
لقد أحسنت يا أخي جمال بقولك " لو اقتلعنا السنة من الفكر الإسلامي لما بقي شيء هناك" إنما يلزمه بعض التوضيح. لو تم ذلك لما بقي شيء من الفكر الهاماني الرسمي، ولما بقي لفقهاء السلطان مصدر رزق يتكالبون عليه ويفرضون أنفسهم به على الناس. لو تم ذلك لما بقي لهم عمل أو دور، فهم أساساً لايفهمون من المقاصد الإلهية والآيات سوى ما يكرس بقاءهم حراساً بالقوة على جسور العلاقة بين العباد وربهم، ولا يمر في الاتجاهين شيء إلا بإذنهم. لو تم ذلك سيعود الناس للإشتغال بكتاب ربهم وقراءته قراءة معاصرة، ولن يشغلهم عن قوله تعالى أقوال أبي هريرة وكعب الأحبار وتميم الداري وغيرهم.
يبقى أن نقف قليلاً لنلقي نظرة على النظام المعرفي الذي أسسه الشافعي في القرن الثاني الهجري، والذي يعتقد الأخ جمال أنه قائم على قدسية النص كلغة ليست من صنع البشر، وأن كل محاولة لاختراق هذا النظام المعرفي لابد ستقود إلى انهيار هذه القدسية فيتحول القرآن إلى نص من صنع بشري شأن كل الكتب المقدسة الأخرى.
وليسمح لي أخي جمال بداية أن أصوغ العبارة كما أفهمها أنا. فالإمام الشافعي ليس له نظام معرفي من صنعه. الأنظمة المعرفية ليست من صنع أحد بعينه بل تتبع التطور التاريخي للإنسانية ككل، إنها بالنسبة للفكر كالمدارس بالنسبة للفنون، وكما أن في الفنون مدرسة انطباعية وتجديدية واتباعية ورومانسية ورمزية سريالية، كذلك في الفكر، هناك أنظمة معرفية متعددة متطورة أو متخلفة.
لقد أرسى الإمام الشافعي قواعده المعرفية، ووضع أصوله، وبنى فقهه في التنزيل الحكيم والحديث النبوي، منطلقاً من عدد من الأرضيات:
- اللغة العربية عند مقدسة ليست من صنع البشر بل هي توقيفية من صنع الله تعالى، ولا يحيط بها إلا نبي.
- لم يفرق الشافعي بين النص النظري المطلق الموحى، وفهم الناس التطبيقي النسبي لهذا النص، وتفاعلهم معه في زمن التنزيل. فهذا عنده هو ذلك. والفرق الوحيد أن التنزيل الحكيم نص يتعبد به أما البقية فلا يتعبد بهم أما المعنى فهذا هو ذاك.
- أجاز رواية الحديث بالمعنى، منطلقاً من إقراره بالترادف، فصرفه ذلك عن ملاحظة الفرق بين الكتاب والقرآن والذكر، وبين الرسول والنبي، وبين الأب والوالد، وبين اللوح المحفوظ والإمام المبين، كون أن الشافعي شاعر وقيل أنه حفظ عشرات الآلاف من أبيات الشعر وهو ما زال طفلاً والشعر لايعيبه الترادف ولا يعيبه الكذب ولا يحتاج إلى مصداقية وهذا منع الشافعي من أن يفرق أيضاً بين المصطلحات الآنفة وغيرها.
- اعتبر الحديث النبوي وحياً، صادراً عن نبي معصوم لاينطق عن الهوى. وكان لابد بالتتالي من اعتبار أن علماء الحديث قاموا بما قاموا به توفيقاً من الله لتطبيق قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
اعتبر أن ما جاء في الكتاب الكريم وفي السنة النبوية (وهي عنده الأحاديث التي كانت تعد مئات الألوف في زمنه) وفي فعل الصحابة وأقوالهم (الإجماع)، كاف ليحل مشاكل الإنسانية إلى أن تقوم الساعة.
- أجاز قياس ما لم يرد في الكتاب والسنة والإجماع على ما ورد فيها، وهذا هو عمل العقل عند الشافعي.
- نتيجة لعدم تفريقه بين المقامات الثلاثة لمحمد (ص) كرجل وكنبي وكرسول، فهو لم يفرق بين سنة رسولية شمولية واجبة الطاعة، وسنة نبوية ظرفية للإستئناس، ولم يفرق بين الأمر بطاعة الرسول الواردة في التنزيل، وطاعة النبي التي لم يأمر تعالى بها، وبين طاعة الرسول متصلة مع طاعة الله (وأطيعوا الله والرسول)وطاعة الرسول منفصلة عن طاعة الله (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) والذي ما زال كل علماء المسلمين يصرون إصراراً شديداً على الدمج بين الطاعتين لأن هذا الاعتراف يهز عروشهم.
- ونتيجة لتحويله العقل إلى أداة قياس، وإغفاله المتغيرات الزمانية والمكانية في حياة الناس على مر السنين، فقد أقفل عملياً باب الاجتهاد، وصار الخروج عن حرفية الأصول الأربعة عنده، وعند التقليديين السلفيين اليوم، رأياً وبدعة تستوجب الحد الشرعي للابتداع.
- ونستطيع بكل ثقة أن نستنتج مما تقدم، أن الإمام الشافعي، بدلاً من أن يؤسس لأصول حنيفية مرنة تستطيع مواكبة واستيعاب حركة التاريخ – وأعني حركة الزمن -، وتحقق مصداقية الصفة العالمية للرسالة المحمدية، وتثبت صلاحية التنزيل الحكيم لكل زمان ومكان، فقد جمَّد التاريخ بفترة بعينها، واختزل الجغرافيا عند رقعة بعينها، وحكم على العقل أن يكون سلفياً تقليدياً إلى يوم الساعة، ثم جاء بعده من أضاف إلى أصوله بنداً جديداً هو فقه الأئمة، فصرنا إلى ما نحن عليه اليوم . وهكذا نرى أن العقل العربي الإسلامي هو عقل قياسي (Stereo). والعقل القياسي لايبدع بل هو مقلد ويحتاج إلى أصل (Prototype) للقياس عليه. وبالتالي لاينتج أي معرفة. ومشكلة جامعاتنا كلها أنها تنتج خريجين ولا تنتج معارف. لذا فنحن بحاجة إلى إصلاح فكري ثقافي أو قل ثورة فكرية.
والأخ جمال – ومثله كثيرون – رغم أنه حصر سؤاله في الجانب اللغوي من التنزيل الحكيم، يخشى في الحقيقة أن يؤدي اختراق المنطلقات الشافعية التي أوردت بعضها آنفاً، إلى انهيار الإسلام الموحى إلى النبي (ص)، وإلى التشكيك بأن التنزيل من صنع البشر. وأنا أقول: لاتخافوا على كتاب الله.. فإن مصداقيته موجودة في داخله (كلام الله) وفي خارجه (كلمات الله) ولن يؤثر عليها شيء إلى أن تقوم الساعة.. ولا تخافوا أن تتحدوا به الغرب والشرق بعد أن تجردوه من إطاراته وتفاسيره التقليدية السلفية .. وإذا ساوركم الخوف فاعلموا أنه نتيجة الشعور بالدونية الذي اعتاد الهامانات أن يزرعوه فينا عبر القرون. اقرؤوا كتاب ربكم بأنفسكم.. وافهموه بعين اليوم.. فهو قابل للفهم دائماً.. واستأنسوا بما فهمه منه الآخرون إنما لاتجعلوا من فهمهم السلفي إماماً لكم.. سوف تعترضكم إشكاليات.. وستقعون في بعض الأخطاء.. حاولوا أن تبحثوا عن أجوبة لها بأنفسكم.. ولا تخجلوا أن تصححوا خطأً وقعتم فيه فالرجوع عن الخطأ فضيلة.. واعلموا أنكم معنيون شخصياً بكل أمر ونهي ورد في كتاب الله تحت عنوان (يا أيها الناس) أو تحت عنوان ( يا أيها الذين آمنوا) .. اعرفوا الرجال بالحق ولاتعرفوا الحق بالرجال.. ولا تقولوا كما قال بعضهم " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" فالحقيقة المطلقة أكبر كثيراً من أن يحيط بها مخلوق، وإحاطتنا كمخلوقات لاتكون إلا نسبية منسوبة إلى أرضيتنا المعرفية وإشكالياتنا المعاشة.


الاسم متأمل البلد -
أوجه لأستاذنا الكبير السؤالين التاليين:
1. في بحث معنى "الذي بين يديه" والذي تطرقتم له في كتابكم "الكتاب والقرآن" وجدت المنطق والأقناع في طرحكم بأن " القرآن هو الآيات البينات وهو تصديق الذي بين يديه (تصديق الرسالة)" ، ولكن ماأشكل علي هو الآية التالية والتي هي في صلب الموضوع وهي قوله تعالى:﴿ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين﴾(البقرة97). "فالضمير" حسب فهمي المتواضع لايعود على القرآن كما في الآيات الأخرى وكما أوضحتم، وإنما يعود على"جبريل" ،فالخطاب على لسان الرسول في قوله: "قل" ، ولو كان المقصود الذي بين يدي الرسول لقال تعالى:"الذي بين يديك". وإذا كان جوابكم سيدي بأن الضمير يعود على "القرآن" فلماذا أنهى سبحانه الآية بكلمة "المؤمنيين" بينما أفهم من طرحكم بأنه سبحانه عندما يتكلم عن "القرآن أو يعود الضمير عليه" يستخدم لفظة تشمل المؤمنين وغير المؤمنين، عكس "الكتاب" . أرجو التوضيح سيدي ولكم الشكر.
2. الآ يكفينا القرآن لنستنبط منه الأحكام والحدود والأخلاق وهو كل مانحتاج إليه كمسلمين مصداقاً لقوله تعالى:﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ . وهل هناك سبب أكبر من "السنة أو الأحاديث" أدى إلا هذا لإختلاف والتشرذم بين المسلمين .
ألآ ترى إن النهج الذي طرحتم بخصوص " تقسيم الأحاديث الشريفه إلى أحاديث النبوة وأحاديث الرسالة.و تقسيم أحاديث الرسالة إلى أحاديث ملزمة بالنص والمضمون معاً والمتعلقة بالعبادات والحدود والأخلاق "السراط المستقيم" وأحاديث ملزمة بالمنهج فقط" . هذا الطرح لا يحل المشكلة من جذورها بل هو إمتداد للإخطاء التي وقع فيها البشر منذ الأزل وأقرب الأمثلة على ذلك هو تحريف اليهود، والنصارى لدينهم ، وتبعناهم نحن المسلمين بالتحريف ولكن ليس "بالكتاب" المنزل لأنه محفوظ، ولكننا وجدنا البديل لنمارس كبشر مهمة التحريف في الأحاديث . ولكم جزيل الشكر .
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى الأخ متأمــل :
للحق والإنصاف أقول إن السؤالين يليقان فعلاً بمتأمل، ولا يصدران إلا عن عقل متفكر متدبر، يقرأ كتاب الله كما يجب أن يقرأ. تقول الأخبار أن امرأة دخلت على الصحابي ابن أبي ليلى وهو يقرأ في سورة هود، فقالت: " أهكذا تقرأ هود يا عبد الرحمن، إني والله فيها منذ ستة أشهر ما فرغت" .
في الإجابة على السؤال الأول، عن معنى (الذي بين يديه) في قوله تعالى (قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) البقرة 97، نحن أمام مسائل. مسألة فعل (قل)، ومسألة الضمائر في التنزيل الحكيم عموماً، ومنها في هذه الآية خصوصاً. ومسألة العداوة لجبريل.
أما الهاء في قوله تعالى ( بين يديه) في هذه الآية تحديداً، فتعود على جبريل. تماماً مثل الهاء الأولى في قوله تعالى (فإنه نزله) أما الهاء الثانية فتعود على التنزيل، وبذلك يستقيم معنى الآية.
وأما عداوة جبريل – التي يعتبرها تعالى في الآية 98 كعداوة لله – فمشهورة عند اليهود لأسباب يعتقدونها، منها أنه ملك القتال والشدة وهذا أحد أسباب ما يشيعه اليهود عن الرسالة المحمدية من أنها دين العنف والسيف. ومنها أنه أمر أن يجعل النبوة فيهم فجعلها في غيرهم. وهذا أحد أسباب عداوتهم لمحمد (ص) لكونه من نسل إسماعيل وليس من نسل إسحاق.
وأما مسألة فعل (قل) كما ورد في أول الآية ففيه إشكاليتان. الأولى: معنى الآية بوجود فعل قل ، ومعناها بحذفه هل هو واحد؟ وقد طرح العقيد القائد معمر القذافي هذا السؤال على علماء المسلمين فلم يجبه أحد. فحين يقول تعالى لنبيه ورسوله (قل هو الله أحد)، فالمنطق اللغوي يقضي بأن يقول (هو الله أحد)، تماماً مثلما إذا أمرك أحدهم " قل لا إله إلا الله" فأنت تقول " لا إله إلا الله". وهذا ما طرحه القذافي وما زال دون جواب. الثانية هي أن فعل (قل) فعل أمر، أي فعل تكليف بالقول، ومع ذلك فالآيات التي تتضمن هذا التكليف الآمر، لاتوجد فيها أحكام. بمعنى آخر هناك كثير من الآيات المتشابهات، تعتبر متشابهات رغم ورود فعل الأمر (قل) فيها. كقوله تعالى (قل هو الله أحد) الإخلاص1، الواضح أنها خالية من حكم شرعي.
لقد وردت كلمة (قل) ، (فقل) ، (وقل) 332 مرة في التنزيل الحكيم، منها 186 مرة في أوائل الآيات. ولم نجد بعد التأمل أي فرق في المعنى بين وجودها في أول الآية أو ضمنها. فقد تأتي كلمة (قل) في آية تبدأ بـ (يسألونك) كما في الإسراء 85، أو تبدأ بـ (ياأيها النبي) كما في الأحزاب 28، 59. وقد تأتي في أول الآية كما في يس 79. ولا فرق في المعنى بين الموضعين:
ويسألونك عن الروح ----- قل الروح من أمر ربي . الإسراء 85 .
قال من يحي العظام وهي رميم --- قل يحييها الذي أنشأها أول مرة يس 78 ، 79 .
حتى أننا وقفنا عند الآية 16 من سورة الرعد التي تحوي خمسة أوامر بفعل (قل).
نحن لسنا مع القائد القذافي في جواز حذف قل من آيات التنزيل. لأن المسألة لها علاقة من جانب آخر بمسألة الضمائر في كتاب الله تعالى. فعلينا أن نميز فيه بين عدة حالات. أولها كلام الله المباشر بين طرفين متكلم ومخاطب ولا يوجد ثالث بينهما، مثالها قوله تعالى (فلما أتاها نودي ياموسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى* وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى* إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) طه 11-14 . وهذا النوع من الخطاب المباشر لم يحصل إلا مع موسى، ولهذا قال تعالى فيه (وكلم الله موسى تكليما) النساء 164، وقال تعالى (قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) الأعراف 144. ولا يتعدى 3 –4 صفحات من التنزيل ، ودخل في الإمام المبين كحدث تاريخي مثل قصص الأنبياء في القرآن. ثانيها كلام الله تعالى غير المباشر منقولاً منه كمتكلم إلى المخاطب عن طريق رسول بينهما، أي وسيط ، هو جبريل. ومثالها قوله تعالى (وإنه لتنزيل رب العالمين* نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين) الشعراء 192 – 194 . ونحن هنا أما ثلاث ذوات: الذات الإلهية، وذات جبريل، وذات محمد (ص) . ختمها تعالى مبيناً أن التنزيل جاء بلسان عربي واضح، وإذا أردنا فهم من يتكلم مع من، وأردنا تحديد المتكلم والمخاطب والرسول بينهما في النص القرآني فعلينا الرجوع إلى الضمائر في اللسان العربي. هذه الضمائر التي لها علاقة بمنطقية الخطاب وبتحديد المشاركين فيه، وليست لها أية علاقة بالبلاغة والبديع كما يتوهم البعض. فنحن نقرأ قوله تعالى (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) البقرة 255، ونتساءل من المتكلم هنا؟ المخاطب هنا هو محمد (ص)، لكن المتكلم لايمكن أن يكون الله، وإلا لاقتضى أن يقول "الله لا إله إلا أنا الحي القيوم لاتأخذني سنة ولا نوم"، تماماً كما في حالة الكلام المباشر مع موسى في سورة طه. ونفهم أن هذا قول جبريل منقولاً عن ربه، بدلالة ما نص عليه تعالى صراحة بقوله (إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين) التكوير 19 –21. وهذه الطريقة في الخطاب غير المباشر عن طريق رسول بين المتكلم والمخاطب هي الطريقة التي اختص بها تعالى نبيه ورسوله محمد (ص)، وهي إحدى ثلاث طرق يكلم بها تعالى الناس أوضحها بقوله (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) الشورى 51.
هناك صيغتان أو شكلان في حالة الكلام غير المباشر الذي يتوسط فيه جبريل بين الله والنبي. الأولى أن يقول تعالى لجبريل " قل لمحمد أن يقول أنا الله أحد" فيقول جبريل لمحمد (ص) طبقاً للسان العربي (قل هو الله أحد) وهي جملة مقول القول في الحالة الأولى لفعل قل الأول المحذوف. الثانية أن يقول تعالى لجبريل " قل لمحمد أنا الله أحد " فيقول جبريل لمحمد (ص) طبقاً للسان العربي " هو الله أحد " وهي جملة مقول القول في الحالة الثانية لفعل قل الأول المحذوف.
نخلص بعد هذا إلى أن كل العبارات التي يسبقها فعل قل في التنزيل الحكيم إنما هي أمر من الله تعالى لجبريل ليقول لمحمد (ص) أن يقول كذا. وأن كل هذه العبارات تمثل مداخلات من الله تعالى على النص الموحى المأخوذ من اللوح المحفوظ والإمام المبين معاً إنما لا علاقة لها بأم الكتاب لأنها ليست أحكام رغم وجود فعل أمر فيها.
ثمة أمر آخر يمنع من حذف أو إسقاط فعل (قل) هو أن المعنى يختلف بين إبقائها وحذفها، ويجعل ما سميناه مداخلات يختلط مع القصص القرآني المأخوذ من الإمام المبين. ففي سورة الأعراف مثلاً تبدأ الآيات من الآية 102 إلى آخر الآية 157 تحكي عن قصة موسى وفرعون وخروجه بقومه وتكليم الله له في الوادي المقدس، ثم تأتي الآية 158 مباشرة بعدها لتقول (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت ..) ثم يعود بعدها مباشرة من أول الآية 159 إلى آخر الآية 171 للحديث عن تتمة قصة موسى وقومه. ولقد فهمنا بدلالة فعل قل في أول الآية أن هذه الآية مداخلة معترضة في قصة موسى موجهة بفعل قل إلى محمد (ص)، ولو حذفنا فعل قل لاختلط الأمر بقصة موسى ولتوهم القارئ والسامع أن موسى هو النبي الأمي المرسل إلى الناس جميعاً.
نعود إلى مسألة الضمائر في التنزيل الحكيم التي لابد من فهمها لتحديد المتكلم والمخاطب والرسول الناقل في النص القرآني، ونستعرض بعض الأمثلة:
1 - يقول تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك) الأعراف 143. فالمتأمل يفهم أن الهاء في (كلَّمه) تعود على موسى، وكذلك الهاء في (ربه)، ويفهم أن الياء في (أرني) تعود على موسى أيضاً، وأن الكاف في (إليك) تعود على رب موسى. فما معنى ضمير الجمع (نا) في (لميقاتنا) وعلى من يعود؟ أتراه يشير إلى أن لجبريل دور في تحديد الموعد المضروب ومكانه؟ ويشير إلى أن جبريل كان حاضراً حين كلم الله موسى تكليماً؟ إن هذا الفهم ليس ببعيد، بدليلين: الأول أنه تعالى اصطفى موسى على الناس برسالاته وكلامه، وجبريل ليس من الناس. والثاني قوله تعالى على لسان السامري (قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي) طه 96، وهذا دليل على وجود الرسول جبريل في الميقات.
2 - ويقول تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء) الأنعام 98. كذلك يفهم المتأمل هنا أن الضمير هو يعود على الله، لكنه مرة أخرى يقف أمام ضمير الجمع (نا) في (فأخرجنا)، وأمام القصد والمعنى الإلهي منه. أتراه يشير إلى أن لجبريل دوراً رسمه تعالى له وكلفه بإخراج نبات كل شيء؟ أي إخراج الحياة على الأرض لذا سماه روح القدس، والقدوس هو مخرج الحياة والنص المقدس هو النص الحي. تماماً مثل دور حفظ الذكر في قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) .
لم يجد بعض المفسرين ضرورة للوقوف أمام هذه الضمائر، فكلها عندهم تعود على الله تعالى. وهذا طبيعي عند من يعتبر أن التنزيل كله من كلام الله المباشر وأنه أزلي ومنهم ابن حنبل، رغم ما فيه من كلام غيره (نوح، موسى، إبراهيم، فرعون، إبليس، داوود، الملائكة) ورغم ما فيه من أقوال قيلت قبل البعثة النبوية بقرون مثل قول أولاد يعقوب لأبيهم. ووقف بعضهم الآخر، فاعتبروه من كمال البلاغة في النص القرآني، رغم أن الضمائر في اللسان العربي لا بلاغة فيها ولا بديع، (فأنا) تعود على المتكلم المفرد (وهو) تعود على الغائب المفرد، و(نا) تعود على المتكلم الجمع وهكذا. أما البعض الثالث فوقفوا عندها ووصفوها بأنها محسنات في النص القرآني يتجلى بالالتفات من الغائب إلى المخاطب ومن المفرد إلى الجمع. لكنني أرى فيها أكثر من ذلك بكثير. وهل 99% من آيات التنزيل الحكيم التفات.؟
يبقى ختاماً للإجابة على السؤال الأول أن أشرح لماذا ختم تعالى آية البقرة 97 بقوله (وهدى وبشرى للمؤمنين). أقول: الكتاب كأحكام هدى للمتقين. والقرآن كعلوم هدى لناس مؤمنين وغير مؤمنين. وقد وظَّف تعالى القرآن كعلوم تثبت نبوة محمد (ص) لتصديق الكتاب كرسالة خصه تعالى بها. بعد أن أرسله بشيراً ونذيراً، بشيراً للمؤمنين ونذيراً لغير المؤمنين. والبقرة 97 تتحدث عن التنزيل الذي نزل به جبريل على قلب النبي (ص) بقسميه وتصف هذا التنزيل بأنه (هدى وبشرى) وكان لابد مع ذكر البشرى من ذكر المؤمنين ليفهم القارئ والسامع أن الهدى للناس غير المؤمنين، وليرتبط المعنى في ذهنه مع قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين) الإسراء 9. وهذا لايتعارض مع ما قلته في كتابي.
أما بالنسبة لسؤالك الثاني فأقول:
لقد قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الأنعام 38. ففيه كل ما نحتاجه كمؤمنين من أحكام وحدود وأخلاق. وقد أدى تدوين الحديث النبوي وروايته بالمعنى – مع عدد من الأسباب الأخرى – إلى تشرذم الأمة المحمدية واختلافها وانشغالها عن كتاب ربها، الذي كان واضحاً في تصور عمر بن الخطاب حين رفض وضع الحديث النبوي في كتاب، وواضحاً في تصور الإمام مالك، حين رفض حمل الناس بالقوة أيام أبي جعفر المنصور على اعتماد موطئه المشهور.
ونحن حين ندعو إلى التفريق بين السنة الرسولية والالتزام بوجوب طاعتها، والسنة النبوية والاكتفاء بالاستئناس بها، لانخرج أبداً عن النصوص الصريحة في كتاب الله تعالى عن طاعة الرسول. وهذا في رأيي يحل مشكلة خطيرة ما زلنا نعيشها إلى اليوم. على ألا ننسى أن هناك دائماً طبقة هامانات تنتفع من إبقاء الأمور على حالها، تتعاون مع الفراعين على تعطيل العقل وفرض الخنوع والسكونية بكل المتاح لها من أسلحة، ستقاوم هذه الأفكار وترفضها وتكفر أصحابها.
أما عن خوفك من الوضع والتحريف – وكلاهما واقع الآن وموجود – فلا تخف كثيراً على كتاب الله المحفوظ من قبله، فإنه قادر على الوقوف في وجه تجار الحديث النبوي وواضعيه ومحرفيه. وهناك معايير كثيرة ذكرناها في أكثر من موضع لكشف الوضع والتحريف، ولبيان المقاصد السلطوية التي يتم توظيف الأحاديث من أجلها.


الاسم كريم البلد -
ارجو التكرم بالرد على بعض استفسارات لدي
لم اجد لها اجوبة وهي كما اعتقد ، انها مغفلة عن قصد غير بريئ ..!

- الم يكن لمحمد العربي القرشي المتحدر من بلاد الشام منذ عهد قصي مشروع سياسي قبل نبوته وما هي بعض الدلائل إن كان ذلك واردا ..
وهل بمقدورنا القول :
ان الرسالة ، حققت حلم العرب في وحدتهم السياسية التي كانوا يتوقون اليها بعد احساسهم بالقوة وانتصارهم في معركتين :
حرب " الفيل " وحرب ذي قار ...؟
وعلى هذا :
هل تعتقد ان اشكالية عدم فهم التفسير والتأويل ومنذ 1200 عام مضت حتى اليوم هو من اشكالية عدم إدراكنا لذلك الأمر الذي ترافق مع اسقاطنا لدراسة " الفكر السياسي " عند العرب
الذين عبر عن طموحاتهم ذلك القائد النبي (ص) ونجح في احداث تغيير " ثورة " محركها " الدين الجديد " . ..؟؟
- وهل تعتقد ان سقوط العصر الأموي اسقط الدين " الفكر " من يد العرب بعد " سرق " منهم ! وقدم الينا في قوالب جديدة مختلفة بدأت منذ ان بدأ ابو مسلم الخرساني بوضع اساس لتنظيمه السري مرورا بالدول التي تلت : الدولة البهوية والسلجوقية مرورا بعصر المماليك ثم العثمانيون ..؟؟
لك الشكر سيدي الكريم ...
وشكر خاص لإدارة منتدى طوى الرائع
ولكم التحية والسلام .
البريد الإلكتروني - التاريخ 23/12/03
إلى كريــم :
- لا أشك أبداً في وجود رؤية سياسية – إن لم نقل مشروعاً سياسياً – معينة لدى حفيد قصي قبل اصطفائه رسولاً من قبل الله تعالى. وهناك العديد من الدلائل عليها، لعل أبرزها وأوضحها خبر اختلاف وجوه قريش حول إعادة الحجر الأسود إلى مكانه من الكعبة بعد الترميم، والحل الحكيم الذي ارتآه الصادق الأمين وقتها. أما خبر اشتراكه مع أعمامه في المعارك وجمعه النبال لهم، فيدل على أنه لم يكن بعيداً عن الأنشطة الاجتماعية لقبيلته.
لكن اهتمام التراث في سيرته النبوية، بأحداث ما بعد اصطفائه رسولاً، وإهمال ما قبله نسبياً، جعل من الصعب الحكم بوجود أو عدم وجود مشروع سياسي لدى محمد (ص) قبل النبوة. ولقد كتب في هذا الموضوع كاتبان هما سيد القمني وخليل عبد الكريم، وكلاهما غطاه بشكل واف. فتحدث السيد القمني عن الحزب الهاشمي ومشروع الدولة، وتحدث خليل عبد الكريم عن حياة محمد (ص) قبل البعثة، وبحكم قراءاتي في هذا المجال لا أؤكد ولا أنفي ما ورد عن الكاتبين.
- إن بمقدورنا القول بأن الرسالة المحمدية حققت حلم العرب في وحدتهم السياسية، بقيام دولة مركزية لأول مرة في شبه جزيرة العرب، أما مسألة أن ذلك جاء نتيجة لإحساسهم بالانتصار في ذي قار والفيل، فلا أستطيع الجزم بذلك.
- إن إشكالية الخلط بين النبوة والرسالة وبين النبوة والملك، وإشكالية تحويل القرارات السياسية إلى شرع ودين، إشكاليات ليست جديدة على الفكر العربي. فأبو سفيان يخلط بين النبوة والملك، فيقول للعباس "لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً" . وخلط كبار الصحابة بين الدين والسياسة، فإمام الجماعة في المسجد منذ عصر أبي بكر يجب أن يكون رئيس الدولة. وبعد وفاة النبي (ص) تمت أسلمة جميع القرارات السياسية فثارت بذلك الخلافات والحروب، وسفكت الدماء. وما زلنا إلى اليوم لانفرق بين النبوة والرسالة والملك.
لقد أنشأ محمد (ص) – بالمفهوم السياسي المعاصر – بدءاً من بداية دعوته حزباً جديداً من أتباعه من المؤمنين، أشار إليهم تعالى بقوله (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) الأنفال 64. ومارس قيادة الدولة من مقام النبوة لا من مقام الرسالة، وقامت الدولة على أيدي أتباعه المؤمنين أعضاء الحزب المحمدي، ومن هنا سمي أميرهم أمير المؤمنين بينما سميت الخزينة المركزية بيت مال المسلمين، لوجود رعايا في الدولة من يهود ونصارى ليسوا من أتباع محمد، ويساهمون في تمويل الدولة بما يدفعونه من ضرائب.
كانت للعصبية العربية التي حكمت الفكر السياسي خلال الفترة الأموية، وغياب الفهم النبوي القائل "لافضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" أثر كبير في اضطهاد الأمويين للموالي وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، مما كان له بالتالي دور هام في الثورة العباسية، فجاء أبو مسلم الخراساني ليضع أول لبنة من لبنات سحب السلطة من يد العرب، وتابعه بعد ذلك البويهيون والسلاجقة والمماليك والعثمانيون.
ولا ننسى أن بدايات العصر العباسي شهدت تحول الإسلام إلى مجموعة علوم دينية، ووضع الأسس والأصول لهذه العلوم واكتمال صياغتها التي بدأت في العصر الأموي، فأصبحت المرجع الأساسي لعلوم الدين الإسلامي ولا أقول للإسلام. فالإسلام الذي ندافع عنه اليوم والذي يعرض بالفضائيات وفي الكتب وضعت أسسه في العصر الأموي وتم إكماله وصياغته في بداية العصر العباسي. وقد صور لنا الفقهاء أن انهيار هذه الأسس أو نقدها تعني انهيار الإسلام وخرابه، وسموا هذه الأسس ما هو معلوم من الدين بالضرورة وهذا غير صحيح. فانهيار هذه الأسس يعني أن هناك أسس جديدة عصرية تتناسب مع نظم المعرفة المعاصرة وتستجيب للإشكاليات المعاصرة.


الاسم أبخص الشيوخ البلد -
1-اليوم .. وبعد مرور أكثر من عام على احداث الحادي عشر من سبتمبر ، كيف تقرأ هذه الحدث ؟
2- وكيف ترى انعكاس هذا الحدث على الخطاب الاسلامي والحركات الاسلامية ؟؟؟
3- كيف تتوقع اتجاه العلاقة بين الغرب و الإسلام على ضوء هذه الاوضاع ؟
4- " عقيدة الولاء والبراء " ، كيف ينظر لها أستاذنا الكريم ؟؟
5- ماهو الفرق بين " المنع " و " التحريم " من وجهة نظركم ؟؟
6- " التعدد " ، هل بالإمكان إلغاءه بقرار سياسي كما سمعت عن سعادتكم ؟؟
7- المستوى النحوي والمستوى المنطقي والمستوى الابلاغي لآيات القرآن الكريم ، كيف نستطيع الإلمام بها والوصول إلى تفسير وتأويل أقرب للصحة من غيره ؟
8- المرأة السعودية على وجه الخصوص ، وإنطلاقاً من وضعها " الخاص " .... ماذا ينقصها لكي تحصل على كل حقوقها المشروعة ؟؟
9- ألم يفكر الدكتور شحرور بإنشاء موقع خاص له على النت يستطيع من خلاله التواصل مع الكثير من طلابه ومريديه حول العالم ؟؟؟

مع خالص شكري وتقديري لسعادة الدكتور / محمد شحرور
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى أبخص الشيوخ :
1ً و2ً - أحداث 11 سبتمبر، ستبقى في رأيي أهم أحداث تقع من حيث منعكساتها على العالم الغربي من جهة وعلى العالم العربي والإسلامي من جهة أخرى. وأرى أنها جاءت نتيجة عدة عوامل منها:
آ - استيلاء السلطة السياسية على السلطة الدينية، مما أدى إلى ظهور حركات دينية متطرفة تحاول الاستئثار بالسلطتين معاً بالقوة وباسم الدين. وليس غريباً أن نجد أن مركز القاعدة – كحركة دينية متطرفة – هو في أفغانستان، حيث توحدت السلطتان السياسية والدينية تحت لواء طالبان بقيادة أمير المؤمنين الملا عمر.
ب - اعتماد القائمين بأحداث 11 سبتمبر على مرجعية تراثية سلفية تعتبر الاغتيالات جزء من الدين كاغتيال كعب بن الأشرف مثلاً. وتعتبر سلب الآخرين أيضاً جزء من الدين كالاستيلاء على قافلة قريش مثلاً. هذه الأمثلة وغيرها أحداث سياسية وقعت في زمنها ولها ما يبررها، لكن المشكلة أنها تحولت عندهم إلى دين وشرع يبرر اتباعه انطلاقاً من القياس عليه. فكل عمل قاموا به، وجدوا له في السيرة النبوية أو في كتب الحديث أو في أخبار الصحابة مرجعاً يبرره. والطريف أن مرجعيتهم هذه هي ذاتها مرجعية كل السلطات الرسمية الدينية التقليدية السلفية في عالمنا العربي والإسلامي، ومن هنا لم يستطع وفد علماء الدين الذين ذهبوا إلى أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر إقناع طالبان بعدم نسف تمثال بوذا الأثري، بل على العكس، فقد أقنعتهم طالبان بأن نسفه ينسجم مع مناهجها وكتبها التي لاتختلف أبداً عن كتب الأزهر ومناهج كليات الشريعة والدعوة الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي.
ج - انطلاقهم من أن كل القرارات السياسية والعسكرية والاجتماعية التي صدرت عن النبي (ص) والصحابة والأئمة والفقهاء، قرارات تشكل جزءاً مهماً في الشرع الإسلامي.
د - الموروثات الثقافية التاريخية المغلوطة التي لاتسمح لأية علاقة ود أن تنشأ مع الآخرين. فالملايين تقرأ سورة الفاتحة عشرات المرات يومياً، وكلهم يعتقدون أن المغضوب عليهم هم اليهود وأن الضالين هم النصارى، ناسين أنهم أهل كتاب وأهل ذمة، وأن بيننا وبينهم عهود لايجوز النكث بها ومواثيق لايجوز خرقها. أضف إلى ذلك أن الخلط بين الإسلام والإيمان جعلهم يتوهمون أن المسلمين هم أتباع محمد (ص) فقط، وبما أن الله لايقبل ديناً غير الإسلام، فإن كل باقي الخلق ما عداهم في النار.
هذه النظرة العدائية المتعالية في أساس تراثنا كافية لتحويل شخص مثل ابن لادن إلى عدو متطرف لأهل الغرب، فإذا أضفنا إليها موقف الغرب نفسه وسياساته ومؤامراته للهيمنة على الشعوب العربية والإسلامية، وأضفنا إليها تراثاً غربياً يزرع الكره بدوره في صدور كثير من أهل الغرب علينا، كانت النتيجة حتماً ما رأيناه منذ عام في أحداث 11 سبتمبر، وما شهدناه بعدها من متواليات.
المشكلة هي أن هذه الثقافة الموروثة، التي أسميها الثقافة الطالبانية، هي السائدة المنتشرة بين معظم المتدينين، الذين وقعوا ضحية المصادرة الفكرية والثقافة المريضة لرجال الدين عبر عشرات المحطات الفضائية التلفزيونية، وعشرات الكتب، وعشرات المراكز التي تطلق على نفسها زوراً وبهتاناً اسمر مراكز دراسات إسلامية، بينما هي لاتدرس بالفعل إلا ماضيها ولا تجتر إلا نفسها وهي ليست أكثر من مأوى عجزة وصدق من قال بأن الإسلام يقع بين جهل أبنائه وعجز علمائه.
هـ - القناعة المغروسة لدى معظم المتدينين بأن المصائب والمتاعب في الدنيا لا تصيب إلا فئتين: فئة الخطاة وعليهم الاستغفار، وفئة أحبة الله وعليهم الصبر لأن الله عندهم لايبتلي إلا أحبابه. إضافة إلى أن العمل في الدنيا يلهي عن الآخرة وعن العمل لها، ناسين أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن العمل في إقامة جنة بالدنيا هو ذاته الذي يبني جنة الآخرة.
3ً - إن اتجاه العلاقة بين الغرب والإسلام في ضوء هذه الأوضاع غير مشجع. ولكن بما أن الخير والشر متداخلان في الدنيا، فلكل أمر وحادث مهما كان نوعه وجه إيجابي ووجه سلبي، فأنا أرى من ايجابيات أحداث 11 سبتمبر أنها سرّعت في فتح عيون الناس على أن الإصلاح الديني بات أمراً ضرورياً لا غنى عنه، ولا يجوز تأخيره أو تقديم أمر آخر عليه، وأن الأوان قد آن لإعادة النظر في الموروثات والأصول والمناهج، فنحن بأمس الحاجة إلى عملية إعادة تأصيل، ضمن نظم معرفية معاصرة، لا إلى عملية ترقيع ضمن مفاهيم تاريخية شكلتها الخبرات الزائلة.
4ً - لقد سبق أن فصلت القول في جوابي لأحد السائلين، فتلطف بالرجوع إليه.
5ً - في الإجابة تفصيلاً على هذا السؤال، أنظر كتابنا الرابع " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي" ص 167 وما بعدها تحديداً، وشكراً لك. وانظر الإيجاز في جوابنا على سؤالك التالي.
6ً - إن كان المقصود بسؤالك عن التعدد، هو التعددية الزوجية، فالجواب نعم يمكن إلغاء التعددية ومنعها بقرار سياسي إن لم يتحقق فيها الشرط الإلهي المنصوص عنه في النساء 3، تماماً مثل الرق الذي ألغي بقرار سياسي. إنما يبقى هذا المنع لا يحمل الصفة الشمولية الأبدية كالتحريم الإلهي. وليس ثمة ما يمنع أن يصدر قانون في سوريا مثلاً يمنع تعدد الزوجات، تماماً كما صدر قانون يحدد الحد الأدنى لزواج المرأة ب 18 سنة، ويمنع زواج من هن دون ذلك. ولكن هذا المنع لايعني التحريم. وكذلك الأمر في تعدد الزوجات، الذي إن منعناه بقرار سياسي، ثم خالفه رجل بزواجه مثنى وثلاث ورباع، فهو إنما يخالف قانوناً يستوجب الغرامة مثلاً أو السجن، ولا يرتكب محرماً. أي أننا لايمكن أن نسمي زواجه الثاني والثالث زنا، أو فاحشة. يبقى أن نشير إلى أن المنع – كما قلنا – لايحمل صفة الشمولية والأبدية، كما هو حال التحريم، فقد يتم إلغاء المنع في حال تغير موجباته، وهذا بالضبط ما فعله النبي (ص) في مسألة زيارة النساء للمقابر وفي مسألة أكل لحوم الحمر.
7ً - الجواب على سؤالك كلمة واحدة هي " بالعلم " ، فالنبي (ص) في حكمته يقول: ليس فينا إلا عالم أو متعلم (قول مقبول إنسانياً ولا يوجد فيه حكم شرعي) . والحكيم العربي يقول: العلم بالتعلم والحلم بالتحلم. والعلم في الحكمة النبوية يشمل جميع العلوم الطبيعية والإنسانية، ولا ينحصر في علم نواقض الوضوء ومفسدات الصيام كما يزعم الإمام النووي في كتابه "التبيان" .
8ً - لكي تحصل المرأة السعودية على حقوقها كاملة، يجب أن تؤمن أولاً بأن لها حقوقاً، وبأن لها دوراً في بناء المجتمع لايمكن القيام به من خلف الأسوار. فاحترام المرأة لنفسها يجبر الآخرين على احترامها. والحصول على الحقوق لايكون فقط بالمطالبة بها، فالحقوق عموماً تؤخذ ولا تعطى. لقد قاد السادة العلماء المجتمعات في العالم الإسلامي – وليس في السعودية فقط – إلى النظر للمرأة على أنها مخلوق: ناقص العقل والدين.. سبب الفتنة والمشاكل .. ومقر الخطايا والآثام .. كل ما فيها نجس وحرام حتى صوتها.. ولا تصلح للتأديب إلا بالضرب.. علماً أن هذا كله جاء من ثقافات قديمة دخيلة لا وجود لها في الشرع الحنيف الحق.
لقد أعطى الله تعالى المرأة حق المساواة بالرجل في عشرات الآيات حتى في الإرث سوّى بين الذكور والإناث في المجموعات لا في الأفراد. إضافة إلى حقوق كثيرة كانت تتمتع بها في العصر النبوي، حق التجارة والعمل، وحق التعلم والتعليم، وحق الإعتراض على قوانين السلطة، وحق أن تختار زوجها وأن تزوج نفسها. وحق المشاركة في القضاء شاهدة ومحامية وقاضية. ثم جاءت المذاهب وجاء الفقهاء، وجاء معها الانغلاق تحت عناوين: درء المفاسد .. وسد الذرائع.. والإبقاء على الفتنة نائمة. وما ينقص المرأة السعودية هو أن تعمل لتثبت أنها أهل لذلك كله.
9ً - لقد فكرت – كما يقول السؤال حرفياً – بأمور كثيرة، من بينها إنشاء موقع خاص بي على الـ (نت). ومن بينها إنشاء مركز دراسات إسلامية، أو معهد خاص أعلّم فيه لراغبين كيف يقرؤون كتاب ربهم وكيف يتعاملون مع تراثهم. لكن هذا كله يحتاج إلى أماكن ومواقع.. ويحتاج إلى تجهيزات وأجهزة.. وإلى اختصاصيين متفرغين متنورين ذوي أدمغة غير مغسولة.. وهذا كله بالتالي يحتاج إلى تمويل ودعاية وإعلانات، وأنا لا أملك ما يكفي لتمويل هذه الأفكار من جهة، وأعرف من جهة أخرى أن الحصول على تمويل من أي مصدر كان سيحكم عليَّ بالتبعية لهذا المصدور بشكل أو بآخر.
إن ما قمت به حتى الآن، من إصدار كتب، ونشر مقالات، واشتراك في الندوات، كلفني الكثير مما أكسبه من عملي في التدريس والهندسة، يعلم الله وحده أنني ما قصدت إلا وجهه، والإمكانيات الفردية غير المتفرغة لا تستطيع أن تحقق مهما بلغت أكثر مما تحقق. المؤسف الذي يبعث على المرارة، هو أنني وجدت تجاوباً لدى المنصفين من المثقفين في مؤسسات الغرب وجامعاته، لم أجده بتاتاً في بلادي الإسلامية التي كرست كتبي لها بالأساس.
وأنا أشكر منتدى " طوى " على استضافتي في موقعه، وقيامه بما لم تجرؤ جامعة إسلامية على القيام به.


الاسم push up البلد -
مجموعة من الاسئلة أتمنى أن أجد أجابتها لدى الدكتور محمد شحرور ..
1- في كتابك الاسلام والايمان .. فسرت قوله تعالى " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " البقرة 62
فسرت هذه الآيه بقولك ..
" من هذه الآيات وغيرها كثير ، نفهم أن الاسلام هو التسليم بوجود الله ، واليوم الآخر ، فإذا اقترن هذا التسليم بالإحسان والعمل الصالح ، كان صاحبه مسلماً ، سواء أكان من أتباع محمد ( الذين آمنوا ) أو من أتباع موسى ( الذين هادوا ) أو من أنصار عيسى ( النصاري ) أو من أي ملة أخرى غير هذه الملل الثلاث كالمجوسية والشيفية والبوذية ( الصابئين ) " أنتهى .
أستاذي الكريم سؤالي هو حول تفسيرك لقوله تعالى والصابئين بأنهم أتباع الديانات المجوسية والبوذية والشيفية !!
سيدى من المعلوم بأن بعض المذاهب الاسلامية عرفت الصابئة بأنهم هم الصابئة المندائيون وهم أتباع النبى يحيى ..
وقد أعتبرهم أبو حنيفة النعمان من أهل الكتاب ممن تحل ذبيحتهم ..
وهنا ياسيدى لنكات لبعض مواقعهم والتى تبين دياناتهم .. والتى تتشابه بشكل كبير مع الاسلام في كثير من التشريعات ..
http://www.mandaeans.org/framelow.htm
http://www.mandaeans.org/religion.htm
http://www.mandaeans.org/history.htm
فما هو رأيك ؟
2- سيدى الكريم من المعروف بأن البوذية والمجوسية ديانات لا تعترف بوجود الله في السماء ولا توحده فكيف نعتبرهم من المسلمين حسب تعريفك للاسلام ؟
لمذا نساهم الله و لم يرسل لهم أنبياء ورسل ؟ وكيف هو حسابهم يوم القيامة !!
3- أتمنى أن نقرأ لك تفسير متكامل للقران الكريم .. فهل سيكون في الطريق ؟
البريد الإلكتروني - التاريخ 23/12/03
إلـى push up :
1 - المشكلة الخطيرة في إسقاط ما قاله التراث حرفياً على النص القرآني، ومحاولة إلباسه معان بعيدة عن واقع العصر، تكمن في ما ينتج عن ذلك. فالقول مثلاً بأن الترتيل هو تلاوة القرآن بصوت حسن وضبط مخارج حروفه، وجواز توقيعه على الألحان الموسيقية، كما يذهب صاحب كتاب "الحاوي"، سينتج لنا بالضرورة نقابات ومؤسسات "لقراء القرآن الكريم"، يتقاضى أحدهم في العرس أو المأتم أكثر مما يتقاضاه طبيب جراح خلال شهر كامل.
قد لايجد البعض أي خطأ في القول بأن الصابئين المشار إليهم في آية البقرة 62 هم أتباع يحيى (ع) المندائيون، كما تقول أنت، أو هم الصابئة من أهل حران، كما يقول المقريزي، أو هم عبدة النجوم والكواكب في منطقة أو أخرى، أو هم الصبَّة من أهل العراق كما تقول المعاجم، خصوصاً إن كان في الواقع التاريخي القديم ما يؤيد ذلك.
لكنك تشعر وأنت تقرأ هذه الآية، وآية المائدة 69، وآية الحج 17، وآيات أخرى كثيرة غيرها، بمصداقية قوله تعالى لنبيه الكريم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وبهذه الروح "العالمية" التي تشيع في ثنايا الآيات. فإذا افترضت معك ومع من يقول بأن (الذين آمنوا) هم أتباع محمد (ص)، وأن (الذين هادوا) هم أتباع موسى، وأن (النصارى) هم أتباع عيسى، وأن (الصابئين) هم أتباع يحيى، فسينتج لدينا في المحصلة أنه تعالى يقول في الآية عن نصف الخلق تقريباً أو أقل أو أكثر، فأين الباقي؟! ألا يحق لمستنكر – إن كان ذلك كذلك – أن يتساءل: ما هذا التنزيل الذي يزعم أنه هدى للناس ورحمة للعالمين، ثم يهتم بنصف الناس في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، ويترك الباقي؟!
هذا الشعور بعالمية الرسالة المحمدية فرض علي أن أعود في فهمي للآية إلى المعنى الأصلي لكلمة (الصابئين. فالصابئ أساساً هو الخارج من دين قومه. وحين كان يدخل شخص في دين محمد (ص) أيام الدعوة الأولى، كانوا يقولون في مكة: صبأ فلان. أي خرج من دين آبائه إلى دين آخر. وحين أفترض أن الصابئين هم كل ما عدا أهل الرسالات الثلاث، أكون قد حافظت على معنى العالمية في آيات الله تعالى، وجعلتها تشمل كل أهل الأرض، تماماً كما ينبغي للتنزيل أن يكون. أما إنهم مجموعة من الناس من أتباع يحيى ممن تحل ذبيحتهم، فهذه نظرة شوفينية ضيقة الأفق للتنزيل لانقرها.
2 - أخالفك في قولك (من المعروف بأن المجوسية والبوذية لا تعترف بوجود الله). من قال هذا؟ المعروف خلاف ذلك تماماً. فجميع العقائد الدينية من عبدة النار وعبدة الأوثان على اختلاف مسمياتها تؤمن بوجود خالق أعظم – كل منها على طريقتها وحسب تصورها – تتجه إليه بالعبادة والتقديس والبخور والقرابين. أما مسألة ما هي الطريقة الأصح والتصور الأصدق الأقرب إلى الحقيقة، فقد حصر تعالى الفصل فيها بذاته الإلهية يوم القيامة، بقوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) الحج 17.
علينا في البوذية مثلاً، أن نفرق بين بوذا والإله الخالق. فالبوذي يعرف تماماً أن بوذا ليس خالق السموات والأرض، ويعتبره مثلاً أعلى ومعلماً أول يهدي إلى درب السعادة الأبدية، وكذلك في المجوسية والشيفية والبراهمية.
إن لكل أمة من الأمم تصوراً للإله الخالق، وثقافة، تختلف عن تصورات وثقافات الأمم الأخرى. ومهما اختلفت التصورات وتعددت الأسماء فهي تشير في النتيجة إلى معبود بعينه. وليست أسماء مثل "لوغوس" عند اليونان، و "رع" عند الفراعنة، و"اللات" عند العرب، و "جوبيتر" و "شيفا" و "يهوه" إلا أمثلة لما نقول.
لقد ميزنا في كتابنا الثالث " الإسلام والإيمان " بين التسليم بوجود إله معبود والتصديق برسول بعينه. كما ميزنا بين المسلم والمؤمن والمشرك والكافر والمجرم، والناس في الأرض لايخرجون عن هذه الفئات الخمس. فالإنسان إما أن يكون مسلماً مؤمناً يسلم بوجود الله واليوم الآخر ويعمل ما يفيد الخلق ويؤمن بأحد رسله تعالى، أو أن يكون مشركاً يسلم بوجود الله واليوم الآخر لكنه يجعل له شركاء أو شفعاء، أو أن يكون كافراً يسلم بوجود الله في أعماقه لكنه ينكر ذلك ويغطيه لسبب أو لآخر، أو أن يكون مجرماً قطع كل صلة له بالخالق المعبود معتبراً أنه غير موجود.
إنما يبقى الفصل بين هؤلاء جميعاً – حسب الحج 17 – محصوراً بالله تعالى وحده يوم القيامة.
3 - ليس في ذهني أن أضع تفسيراً متكاملاً للقرآن الكريم. ولا أنصح أحداً أن يفعل. وما نراه اليوم من تفاسير حديثة تصدر هنا وهناك، تحت أسماء متعددة كالتفسير المفيد والتفسير الواضح والتفسير المختصر، ليست أكثر من تفاسير تراثية تكرر ما قاله السلف إنما بغلاف جديد وباسم جديد .. وليس فيها أي جديد.
قد تجدني في كتبي، أتعرض ضمن سياق أو آخر، لبعض آيات التنزيل الحكيم، وأنقد الفهم التراثي في التفاسير لها، وأبين ما فهمته أنا منها، ضمن مستوياته الثلاثة: اللغوي والمنطقي والإبلاغي. ولكن يبقى هذا شيء، والتصدي لوضع "تفسير متكامل" للتنزيل الحكيم شيء آخر. فالتنزيل فيه الرسالة وفيه النبوة، وثمة موضوع واحد من مواضيع التنزيل هو نظرية المعرفة، والعلاقة بين الوجود في الأعيان وصور الموجودات في الأذهان، ما زالت الإنسانية تعمل فيه إلى اليوم، ناهيك عن عشرات المواضيع الأخرى. كالعلاقة بين النظرية والتطبيق، أي بين النص الثابت الموحى والفهم النسبي له، ومتى يكون هذه هذا، ومتى لا يكون.
سأقف عند مثال واحد هو قوله تعالى (ويل يومئذ للمكذبين * انطلقوا إلى ماكنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب * لاظليل ولا يغني من اللهب) المرسلات 28-31. وأتساءل هنا كيف يمكن أن يكون الظل ذا ثلاث شعب؟ والصورة هنا حسب الظاهر حقيقية لا مجاز فيها تتحدث عن شيء مادي هو الظل. والظل كما تعرفه علوم الفيزياء هو مرتسم الأجسام الحاجبة للمنبع الضوئي. ولا يمكن أن يكون الظل ثلاثي الشعب إلا إذا وجدت ثلاثة منابع ضوئية . ثلاثة شموس مثلاً، تماماً كظلال اللاعبين في ملعب كرة قدم تنيره المصابيح الكاشفة من مختلف الجهات. لكن هذه الصورة حسب الآية موجودة في جهنم، حسب فهم التراث لها ولكننا نعلم الآن أنه في مجرتنا وفي مجرات أخرى يوجد كواكب فيها أكثر من شمس وبالتالي يوجد أكثر من ظل وهذا موجود الآن وهو غير ظليل لأنه إذا وقفت تحت كل منبع ضوئي أتاني اللهب من منبع آخر.
باختصار أنا غير قادر على وضع تفسير متكامل للتنزيل الحكيم، ولا أنصح أحداً أن يتصدى لذلك، لأن التصدي كما قال تعالى للراسخين في العلم كمجموعة لا كفرد.


الاسم غوركي البلد -
الى أي مدى يمكن ان نضخ دماء الحداثة في شرايين الاسلام الهامدة
وهل لا سبيل إلا عبر الخطاب الديني !
حتي لو كان خطابا دينيآ تنويرآ !
ام نستطيع ان نكرر لحظة الحداثة الاوربية بتجاوز او( خلق العلمانية الاسلامية) ان صحت العبارة
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى غـوركـي :
ثمة ثلاثة محاور أساسية ذات فروع، يدور حولها سؤالك، أولها إلى أي مدى يمكن ضخ الحداثة في شرايين الإسلام الهامدة. ثانيها دور الخطاب الديني المتنور في هذه العملية، ثالثها تكرار لخطة الحداثة الأوربية بخلق علمانية إسلامية.
إن أية محاولة تحديث لابد من أن تمر من بوابة نقد المسلمات الثقافية والفكرية الموروثة. ليجد الناقد المنادي بالتحديث نفسه وجهاً لوجه أمام هامانات التقليد السلفي الذين لايفرقون بين الإسلام والمسلمين، أعني بين النظرية والتطبيق، وينطلقون من أن كل ما يفعلونه ويقولونه ويكتبونه هو عين الإسلام علماً أنه هو الإسلام التاريخي المصاغ في القرن الثاني الهجري، وبالتالي فكل نقد يوجه إليهم إنما هو نقد لله ورسوله في زعمهم.
وأنا أرى أنه لاسبيل إلى ضخ الحداثة في الشرايين الهامدة إلا عن طريق الخطاب الديني المتنور، لأن الدين هو المكون الأساسي للثقافة العربية بكل أبعادها . ومن هنا فأنا أنادي – باعتبار الهمود والتقهقر الذي يلف الثقافة العربية – بأن الإصلاح الثقافي وبالتالي الديني مطلب ملح قبل أي إصلاح سياسي. فالحرية والدستور والدولة العصرية والآخر والتعددية الفكرية والقضاء والقدر، مفاهيم غائبة عن العقل العربي الجمعي، ولا بد لها من تحديث وتجديد وإعادة نظر في أصولها.
ومن هنا بدأت تتبلور الدعوات إلى التحديث عن طريق خلق علمانية إسلامية، يتم فيها تحييد الدين، تشبيهاً بما حدث في عصر النهضة الأوربية. وتأتي أهمية الخطاب الديني المتنور في هذه الدعوات، من كونها دعوات متعددة تختلف في القصد والمعنى رغم وحدة الاسم من مجموعة إلى أخرى. فالماركسيون مثلاً لهم رؤية في العلمانية الإسلامية، والماديون من المتشبعين بالثقافة الغربية لهم رؤية أخرى مختلفة، والمتدينون المتشربون للفكر الغربي لهم رؤية ثالثة.
من حيث المبدأ – في ضوء تفريقنا بين الإسلام والإيمان، وفي ضوء تفريقنا بين النص المطلق الموحى وفهمه النسبي تطبيقياً – لايمكن في الإسلام فصل الدين عن الدولة، أو فصله عن السياسة، من حيث كونه قيم عليا ووصايا. إنما يمكن فصل الإيمان عن الدولة والسياسة، من حيث كونه شعائر. وهو في واقع الحال مفصول بالفعل، فالدولة لا علاقة لها بالصلاة والصوم والحج والزكاة لكنها ليست مفصولة عن المجتمع. في الجانب الآخر، جانب الإسلام كما عرفناه في كتابنا، فالدولة والسياسة لها علاقة مباشرة بالوصايا والمثل العليا التي لايمكن لأي مجتمع أن يعيش بدونها، وهي قيم ووصايا إنسانية عالمية غير قابلة للتصويت. إذ على السياسيين أن يلتزموا القيم والوصايا في كل ما يفعلونه على الصعيد الداخلي والخارجي، فلا كذب ولا غش ولا شهادة زور ولا حنث باليمين ولا عدوان على حريات الآخرين. ومن هنا يلزم وجود حرية الصحافة والمعارضة والرأي الآخر لمراقبة التزام السياسيين بهذه القيم والوصايا، وكشف من يتعداها ويعتدي عليها. وإن صيغة المعارضة وحرية الصحافة هي أحسن صيغة توصل إليها الإنسان لممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن ما حدث في عصر النهضة الأوربية لايمكن تكراره حرفياً في المجتمعات العربية والإسلامية لعدد من الاعتبارات. لكن التحديث كما أراه يجب أن يبدأ على المستوى الثقافي الفكري، وأول خطواته التفريق بين الإسلام والإيمان وأركان الإسلام وأركان الإيمان لنتمكن بعدها من رسم الحدود بين الدين والدولة. وفي أوربا أيضاً جرى الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر قبل الإصلاح السياسي.


الاسم ياسر عظيم البلد -
في حديثه عن عذاب القبر تحدث الشيخ الكبيسي عن قبر البرزخ وأن لا عذاب في قبر الدنيا ......إنما هي الروح التي تُعذّب ولها قبرها ، ما رأي الدكتور شحرور حول عذاب القبر استناداً على مادته ومنهجه ؟
في موضوع آخر للشيخ الكبيسي قال أن نار المسلم والمؤمن ( المعذبان ) تختلف عن نار الكافر والمشرك ولا مكان للمؤمنين في نار جهنّم ، ما رأي الدكتور شحرور حول العذاب وجهنّم والفصل بين المسلم والكافر في نأرين مختلفتين حسب رأي الشيخ الكبيسي ؟
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى ياسر عظيم من كنــدا :
أما عن عذاب القبر، فقد شرحته وافياً في كتابي الأول "الكتاب والقرآن / قراءة معاصرة" من خلال التفريق بين النفس والروح. تماماً كما تفرق اللغة الإنكليزية بين ال soul والـ spirit . فالله تعالى يقول عن الروح (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الإسراء 85. ويصف تعالى جبريل بالروح الأمين في كتابه الكريم كما يصف عيسى بن مريم بأنه (كلمة الله وروح منه). أما النفس، من حيث ما يهمنا منها هنا، فيقول فيها تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الزمر 42. ونفهم أن الوفاة تتم حسب التعبير القرآني على شكلين:
آ - الموت .
ب – المنام أثناء النوم.
والمنام هو الوفاة في حالة الحياة وليس النوم. فالإنسان قد يرى في منامه أشياء بهيجة تهبه سرور النفس أو يرى أشياء محزنة تورثه عذاب النفس، ولا علاقة للروح بذلك، فالروح أصلاً ليست سر الحياة، بل سر الأنسنة وسر الوعي والمعرفة والتشريع.
ففي لحظة الموت تماماً، بغض النظر عن كيفيته، يرى الإنسان أشياء إما سارة أو غير سارة، تبقى كالمنام إلى أن تقوم الساعة، فإن كانت سارة، كان كقوله تعالى (فإما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم) الواقعة 88-89 . وإن كانت غير سارة، كان كقوله تعالى (وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم) الواقعة 92-94. وهذا كله لا علاقة له بالجنة أو بالنار أو بالقبر، ويبقى ثابتاً إلى أن تقوم الساعة. نقول لا علاقة لها بالجنة والنار لكونهما ستوجدان بعد قيام الساعة، ونقول لا علاقة لها بالقبر، لأن هناك أعداداً كبيرة من الناس لا قبور لهم، يموتون حرقى أو غرقى أو ممزقين بالانفجارات. ومن هنا يقول تعالى (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) غافر 46. وهذا المنظر الثابت قبل قيام الساعة لا علاقة بالقبر ولا بمنكر ونكير ولا بالشجاع الأقرع الذي يدخل قبر الكافر، أضف إلى ذلك أن تعذيب إنسان قبل الحكم عليه يوم الحساب خدش واضح للعدل الإلهي. من هنا، فإن مقولة أنكر ونكير، وعذاب القبر، وأهوال وصور الترهيب قبل يوم القيامة – كما نراها شائعة في كثير من كتب السلف التراثية – لا علاقة لها إطلاقاً بالتنزيل الحكيم، فكلها من اختراع القصاصين في المساجد أمثال تميم الداري وغيره، وكلها دخلت على الفكر الديني من ثقافات الأمم القديمة. فعذاب القبر حسب التعبير القرآني أو نعيمه بالنسبة للميت هو كالمنام بالنسبة للحي، ومن هنا قال تعالى عن يوم الساعة (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) النازعات 46.
وأما ما يقوله المشايخ عن قبر البرزخ وقبر الدنيا.. وعن تعذيب الروح .. وعن اختلاف نار المؤمن عن نار الكافر.. فأقل ما يقال فيه إنه رجم بالغيب دون دليل، شأن كل تفصيل أو تأويل عن الجنة والنار والقيامة والحساب لم يرد ذكره في التنزيل الحكيم، وأنه مجرد محاولات لإثبات أنهم يعرفون ما لا يعرفه الناس، وإثبات أنهم من أولياء الله المكشوف عنهم الحجاب.


الاسم طلال البلد -
سيدي الكريم:
هل يعقل ان يكون مصير اليهود والنصارى هو جهنم بحسب تفسير بعض المسلمين - كالسلفيين (الوهابيون) الذين يكفرون بقية الديانات-؟
وإن لم يكن مصيرهم هو جهنم؛ فهل يكون كذلك الامر مع العصاة من المسلمين ممن يؤمنون باالله وملائكته وكتبه ...الخ ولكنهم لايصلون ولايصومون ولايؤدون هذه الشعائر ليس جحودا وانما كسلا ونسيانا وغفلة؟
لماذا يثيب الله عباده بالجنة ويعذبهم بالنار مقابل عبادته من عدمها ؟اليس في ذلك تحريض للبشر على المادية في العمل مقابل الثواب؟
هناك من السلفيين في السعودية من يكفرون بقية الفرق الاسلامية الاخرى كالشيعة والصوفية وغيرهم؟ فهل الوهابية من وجهة نظرك عي افضل أو أصفى مذهب ديني قريب الى الله كما يقولون لنا ؟
والسلام
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد طلال :
قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون) البقرة.
إن الشرط الأساسي لدخول الإسلام هو الإيمان بالله واليوم الآخر على أساس أنها مسلّمة والمسلَّمة بالمفهوم العلمي هي الأطروحة التي لايمكن البرهان عليها علمياً كما لايمكن دحضها علمياً، ولهذا سميت مسلَّمة ومن هنا جاء دين الإسلام، وجاءت مسلمة الإسلام من الفطرة، لأن الإنسان في أي مكان عاش وفي أي مجتمع يسأل من أين أتى وكيف أتت الموجودات حوله ويرى الموت بعينه فيسأل إلى أين المآل؟. فهذان السؤالان يسألهما الإنسان بالفطرة ومن يقوم الإسلام على ايمان التسليم بالله واليوم الآخر. وفي هذا يتساوى آينشتاين وبائع الفول والطعمية فلا يحق لأحد أن يقول أن العلم يدعو للإيمان وكذلك لايحق لأحد أن يقول أن العلم يدعو للإلحاد..
فالايمان بالله واليوم الآخر هو مسلَّمة يختارها كل إنسان بمحض ارادته واختياره إن كان عالماً أو جاهلاً .
فكل من آمن بالله واليوم الآخر دخل الإسلام رغم أنفي وأنف السلفيين ، فإذا أضاف إليهما العمل الصالح أصبح مسلماً صالحاً ، فإذا أضاف إلى إيمانه بالله واليوم الآخر الإيمان بمحمد ( ص ) أصبح من المسلمين المؤمنين.
وإذا أضاف إلى إيمانه بالله واليوم الآخر الايمان بموسى (ص) أصبح من المسلمين الذين هادوا . وإذا أضاف إلى إيمانه بالله واليوم الآخر الايمان بعيسى (ص) فهو من المسلمين النصارى . لذا لم يسمِّ التنزيل الحكيم اليهود والنصارى أديان وإنما سماهم مِلل ( ولن يرضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم ) فهناك دين واحد هو الإسلام تبعيته لله سبحانه وتعالى ، وهناك ملل مختلفة حسب تبعيتها للرسول، ولماذا سمى أتباع محمد (ص) المسلمون المؤمنون لأنهم يؤمنون بالرسل جميعهم. ومن هنا نرى أنه في التنزيل نوعان من الإيمان أو قل إيمانين : إيمان التسليم (1) وإيمان التصديق (2) فنحن نؤمن بالله واليوم الآخر تسليماً ونؤمن بمحمد (ص) وبرسالته تصديقاً لاتسليماً فنحن نسلِّم بالله واليوم الآخر، ونصدق بأن محمداً رسول الله . لذا فمصداقية الرسالة المحمدية تخضع للبرهان وللتصديق. وعلى أتباع الرسالة المحمدية البرهان على مصداقية هذه الرسالة. وإعلم أن ( لا إله إلا الله) رأس الإسلام (الركن الأول من الإسلام) لوحدها لاغبار عليها ولانقص فيها، وأن محمداً رسول الله (وهي الركن الأول من أركان الإيمان) لوحدها غير مقبولة أصلاً. وإن أطروحة (الإسلام يجب ما قبله) غير صحيحة، ولايوجد شيء قبل الإسلام. لذا يجب تصحيح الأطروحة إلى ( الإيمان يجبّ ما قبله ) ، ألم تسمع قوله تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ) ( محمد1 ) أي يمكن أن يكون هناك إسلام بلا إيمان ، ولكن لايمكن أن يكون هناك إيمان بلا إسلام. ومشكلتنا نحن العرب أننا ندعوا الصحوة الإيمانية صحوة إسلامية. علماً بأن الصحوة الإسلامية غير موجودة أصلاً. فنرى أن الإيمان الأول : الذين آمنوا وعملوا الصالحات: وفيها تقوى الإسلام في الوصايا ( الصراط المستقيم ـ المرحمات )
الإيمان الثاني: وآمنوا بما نزل على محمد : كفر عنهم سيئاتهم (وفيها تقوى الإيمان ـ التكاليف والشعائر )
وإن علينا أن ننظر لأهل الأرض بمستوى الإسلام وهو المستوى العالمي ، لامستوى الإيمان وهو المستوى المحلي الضيق. وعند الالتباس في هذين المستويين كفَّرنا معظم الناس وأرسلناهم إلى جهنّم منذ الآن .
أما فيما يتعلق بعبادة الله، فالله لا يعبد في المساجد ـ وعلى رأسها المسجد الحرام ـ ولا الكنائس ولا الكنس ولا البيع ولا الصلوات . في هذه يذكر الله ويُحب ، ولكن لايعبد . أما عبادة الله فلا تكون إلا بالصراط المستقيم ، قال تعالى (ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) .
(وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس . (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة) لاحظ أن إقامة الصلاة ليست أصلاً من عبادة الله .


الاسم مليكان الزمان البلد -
- هناك من يضع حدودا للعلاقات الزوجية بين الزوجين، كالمماريسات غير التقليدية بينهما ؛ فهل هذا هو مايريده الله ولماذا؟
وهل تعتقد ان مؤسسة الزواج قد ادجلت دينيا بحيث تستغل من هذا الجانب بحيث يعتبر الزواج فقط (لاكمال الدين) او (للستر من الله) وانجاب الاطفال (للتكاثر الاسلامي) وغير ذلك من المبررات المؤدلجة..؟
2- سمعت أن زوجتك ترتدي الحجاب. ولاادري ماهو مبرر وجود الحجاب ولاسيما ذلك النوع الذي تغطي فيه المراة شعر راسها؟هل هناك سر في شعر الراس لايعرفه سوى المسلمين؟
الا ترى ان الحجاب المقصود به ان ترتدي المراة لباسا غير عاري يكشف صدرها او فخذيها؟
البريد الإلكتروني - التاريخ 26/5/03
إلى : ( مليكان الزمان )

إن العلاقة بين الزوجين علاقة مودة ورحمة ولا تكون إلا إذا كانت علاقة مبنية على عواطف حب متبادلة بين الزوجين . والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمارس الجنس لامن أجل الإنجاب ولكن من أجل المتعة. وكل من يقول أن الهدف من الزواج هو الإنجاب فهو رجوع بالعلاقة بين الزوجين إلى علاقة بهيمية. فالبهائم تمارس الجنس من أجل الإنجاب فقط وعندما يحصل الحمل يتوقف الجنس تماماً. والقول بأن الأنثى للإنجاب والعناية بالأطفال وكفى. فإن أنثى البهائم أيضاً تنجب وتعتني بالأطفال. أما الإنسان فالمرأة إلى جانب كونها أنثى فهي إنسان عاقل أيضاً له كرامته ورأيه وقناعته، وفي هذا فرّق الله سبحانه وتعالى في التنزيل بين الوالدة والأم، والوالد والأب . فحرم نكاح الأم حين قال (حرمت عليكم أمهاتكم) ولم يقل (والداتكم) . فالوالدة لها معنى بيولوجي وهي صاحبة البويضة. والوالد هو صاحب الحيوان المنوي. أما الأم والأب فيضاف إليهما المعنى الإنساني في التربية والرعاية الواعية . وفي هذا فإن نسب الإنسان إلى أبويه (الأم والأب) وليس إلى والديه. وقد يكون الوالد أباً وقد لايكون. وقد تكون الأم والدة وقد لاتكون. وفي هذا نقول عن عائشة (أم المؤمنين) وليست (والدة المؤمنين) . أما القول أن الزواج للإنجاب فهو قول مأخوذ على أساس أن الإنسان ارتكب الخطيئة الأولى بممارسة الجنس وهو أطروحة ميثولوجية ظرفية لا أساس لها من الصحة دخلت إلى وعينا من ثقافات أخرى. وكذلك تم النظر إلى المرأة من خلال مجتمع ذكوري بحت. فالفقه الإسلامي التاريخي يحتقر المرأة لأنه
فقه ذكوري. وأريد أن أسأل السادة الفقهاء إذا كان الزواج للإنجاب، فلماذا أصلاً ملك اليمين وكلنا يعلم أن ملك اليمين كان للمتعة وليس للإنجاب؟!. وكان الرسول (ص) له ملك يمين، والصحابة كلهم لهم ملك يمين. فكيف يمكن أن ننسب إلى الإسلام بأن الجنس هو للإنجاب، والحياة كلها السابقة والآن تقول غير ذلك. وكان المفروض أن يطلق الرسول (ص) كل زوجاته لأنه لم ينجب منهن وأنجب فقط من خديجة وماري القبطية .
أما بالنسبة لزوجتي فإنها ترتدي الحجاب من باب العادات والتقاليد لأنها تعودت أن ترتدي الحجاب منذ صغرها وهي لاترتديه تديناً. أما ابنتي وعمرها الآن 27 سنة ومتزوجة فهي لاترتدي الحجاب أصلاً. وللعلم فإن ارتداء الحجاب هو تعصب للعروبة وليس للإسلام. والحد الأدنى للباس المرأة تغطية الصدر والفرج والإليتين . والحد الأعلى هو تغطية الجسد كله ماعدا الوجه والكفين. ولباس نساء الأرض هو ما بين هذن الحدين وكله صحيح وحسب الأعراف والتقاليد. لذا جاءت آية الحجاب في سورة الأحزاب (ياأيها النبي قل لأزواجك ( من مقام النبوة لأنها تعليمية لاتشريعية. وبالتالي ارتداء الجلباب يخضع للظروف، وظرفي ومفهوم الجلباب أيضاً ظرفي، فالدشداشة جلباب وبنطال الجينز أيضاً جلباب.


الاسم حنان البلد -
الأستاذ الدكتور محمد شحرور ..أسعد الله أوقاتك بكل خير..
يسرني أن أشارك إخواني هنا في طوى في طرح بعض الأسئلة
والاستفادة من علمك وفكرك النيّر..ولك الشكر مقدما..

_ قرأت في اكثر من موضع أن الدين الإسلامي ليس بدين مساواة..
فمبدأ التفاضل ورد في آيات عديدة من القرآن الكريم..
ما هو مفهوم المساواة من وجهة نظر الدين الإسلامي؟ وكيف يراد للعدل أن يطبق في حياة لا يوجد بها مساواة من الأساس؟

_ ما هو مفهوم العِرضْ والشرف في الدين الإسلامي ؟ وهل هو خاص بالمرأة وحدها.. سواء ما يتعلق بتصرفاتها أو تصرفات الآخرين تجاهها كما
هو المتعارف عليه حتى الآن؟

_ ذكر مصطلح ولي الأمر في عدة مواضع في القرآن الكريم.. سؤالي عن
الولاية الخاصة..هل تحديد ولي أمر لكل امرأة مطلب إسلامي حتى لو
كان أخا أصغر أو ابن؟ وهل لهذه الوصاية قدسية دينيه ؟ ولماذا تحولت
الولاية من ولآيه خاصة في زواج البكر إلى ولاية شاملة لكل أمور الأنثى
مهما كان وضعها عند بعض المسلمين؟
البريد الإلكتروني - التاريخ 30/5/03
السيدة حنان :
1- بالنسبة للمساواة في التنزيل فإني أحيلك إلى بحث العباد والعبيد في كتابي (الإسلام والإيمان) هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى فإن مفهوم المساواة المشوه في أذهاننا ورد انطلاقاً من أن القيمة الأساسية في الحضارة العربية الإسلامية هي العدالة وهي في تراثنا قيمة فردية. فنقول أن عمر بن الخطاب اهتم بالعدالة وكان عادلاً ولانقول أن النظام كان عادلاً لأنه في أذهاننا حتى اليوم يوجد تماهي بين الشخص الرئيسي والنظام لأن النظام يقوم على شخصيات، لا على مؤسسات. أما الحرية فهي قيمة أساسية وهي غير موجودة في تراثنا. فالحر في تراثنا هو عكس الرق، حتى عمر بن الخطاب حين استعمل الحرية استعملها في مقام العدالة عندما قال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، استعمله حين طلب ابن القبطي العدالة. فلو عنى عمر بن الخطاب الحرية بمعناها الحقيقي كما نفهمه الآن لكان ألغى الرق، لأن الرق والحر كلاهما له أم وخضع للولادة. لذا فإن مفهومي الحرية والعدالة هي المفاهيم الأساسية الكامنة وراء الثورات كلها في العالم حتى وراء الأديان. ففي التاريخ الإسلامي كانت العدالة المشخصة بشخص أهم من الحرية. والحرية تحتاج إلى إنتاج إبداعي من المسلمين المعاصرين .
2- إذا راجعنا كتاب الله كله من أوله إلى آخره، فإننا لانجد فيه المصطلحات التالية : العرض – الشرف – النخوة – المروءة – الشهامة. مع أن هذه المصطلحات عربية فصيحة وتستعمل في حياتنا العامة وعليها تقوم حياة العرب البدو والحضر. ففيما يتعلق بهذه المصطلحات، فإن شيخ الأزهر وإمام المسجد الحرام وزعيم الحزب الشيوعي وشيخ الملاحدة في بلد عربي عندما يستعملون هذه المصطلحات فإنهم كلهم بدو بدائيين. وأحمد الله أن هذه المصطلحات غير موجودة في التنزيل الحكيم وإلا لكان التنزيل خاص بالعرب وليس لكل الناس . فعند العرب المرأة ليس لها شرف وليس لها عرض. والرجل له شرف وعرض وشرفه وعرضه في فرج أخته وابنته وأمه، فإذا قامت المرأة بعمل ما، فإن شرف أخيها والذكور من عائلتها يتلوث. أما إذا قام الرجل بعمل ما فإن شرف أخته لايتأثر. فكيف ياسادة نحاول أن نعطي هذه المفاهيم للألمان أو لليابان ؟ هذه المصطلحات بدوية بدائية محلية لاتمت إلى الإسلام وعالميته بصلة. وهي طغت على المفاهيم الواردة في التنزيل الحكيم حول المساواة بالحقوق والواجبات.
3- مصطلح ولي الأمر هو مصطلح عام في التنزيل كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا من اليهود والنصارى أولياء...) المائدة 51 وقوله تعالى: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)التوبة 71. في هذا المعنى لاعلاقة للولاية بين المؤمنين والمؤمنات بالطبخ والواجبات المنزلية أو الزوجية. أما مفهوم الولاية الخاصة فهو مفهوم عربي محلي وقد تبناه النبي (ص) في الزواج، فالولاية الخاصة عبارة عن عرف محلي عند العرب تبناه الرسول (ص) وهو لايحمل الطابع الشمولي ولا الطابع الأبدي. فإذا رفضت المرأة الولاية الخاصة فهذا حقها ويمكن أن تقبل به امرأة شرقية. ولكن كيف يمكن أن تقبل به امرأة سويدية أو صينية أي لايحق لها أن تتزوج إلا بولي أمر يمكن أن يكون أبوها أو أخوها أو عمها. هذه عادة عربية جاءت من القرن السابع وما قبله، وليست شرعاً إسلامياً. ويمكن أن يتم الزواج بدونها ولا غبار عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق