الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

الغرب ...والإسلام

الغرب ...والإسلام


يخطئ كثيراً من يظن أن الغرب عموماً - بما فيه أميركا واليابان- ينقسم إلى قسمين: جاهل لا يعرف شيئاً عن الإسلام، ومستشرق يعرف شيئاً ويخفيه لغايات في نفس يعقوب. ونحن لا ننكر أن القسمين موجودان بنسب تختلف من بلد غربي لآخر، لكنهما لا يمثلان كل الغرب.

فاليابان قبل الثورة الإيرانية رغم ضخامة الجامعات ومراكز البحث العلمي عندها، لم يكن فيها أحد يدرس ويدرّس الإسلام. والعديد من الدراسات "الشرقية" في مراكز أميركية وفرنسية وبريطانية وألمانية ينطلق من فكرة أن العالم الإسلامي يتألف من مجتمعات "وثنية متخلفة"، ويهدف إلى اكتشاف كيف تؤكل الكتف منها، أكثر مما يهدف إلى معرفتها بحثاً عن المعرفة والحقيقة. لكنها- مرة أخرى- لا تمثل كل الدراسات والدارسين في الغرب.

أقول هذا وأمامي دراسة بعنوان "الإسلام المدني الديمقراطي.. دعاته وموارده واستراتيجياته" أعدها معهد راند لأبحاث الرأي، نشرتها وكالة رويترز، تتحدث عن قلة قليلة في العالم الإسلامي تدعو إلى "الحداثة" و"المعاصرة" في تعريف الإسلام، وترك التشدد والتطرف والتقليد في تطبيق أحكامه. وتخلص الدراسة إلى حث الغرب على دعم هذه القلة الداعية إلى التحديث التي تفتقر إلى الموارد المالية من جانب، وإلى البنية الأساسية الفعالة من جانب ثان، وإلى البرامج العملية الاستراتيجية للإصلاح والتحديث من جانب ثالث.

هناك عبارات وردت في الدراسة مثل:"دعاة التحديث المؤيد للغرب"، و"إمكانية إحداث تغيير في الإسلام"، تكفي لإشعال نار الشك عند جميع من يشككون أصلاً بكل ما هو غربي، لكننا نرى فيها أمراً طبيعياً. فمعهد راند بالأساس ليس فرعاً من فروع الأزهر، هدفه خير الإسلام والمسلمين، والدارسون فيه ليسوا الشيخ محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد الغزالي وخالد محمد خالد وعلي عبدالرازق.

بالمقابل، هناك حقائق في الدراسة لا يجوز أن نطمسها أو ننكرها، إن كنا نؤمن بالله واليوم الآخر ونبحث عن الحكمة لنأخذها أينما وجدت بغض النظر عن قائلها: بعيداً عن مؤيدي الغرب المتطوعين والمأجورين، وعن مكفريهم المناهضين للغرب من سلفية مقلدين ومتطرفين ومتشددين.

ولعل أول هذه الحقائق في هذه الآونة بالذات، هو عودة ظهور تيار يدعو إلى تحديث وتطوير وقراءة معاصرة للمسلمات والتعاريف، يقف في وجه طوفان تقليدي غالب يسيطر على منابر الإعلام والخطاب، ويرفض قبول الآخر ويسمي الإبداع بدعة والتحديث ضلالة والتطور فلسفة داروينية، وكلها في النار. لكنه يظل تياراً يقوم بمعظمه على جهود أفراد، في شكل كتب أو مقالات سيأكلها الغبار على الرفوف كما أكل قبلها كتب محمد عبده والكواكبي وعبدالرازق، ولن يكتب له ما يرجوه إلا إن توفرت له الأسباب والوسائل.

كثيرون بيننا ممن يملكون الإمكانيات المادية، يحلمون بجامعات تقضي على الجهل، وبمشافٍ ومستوصفات تقضي على المرض، لكنهم جميعاً يبنون مساجد يفرشونها بالرخام والطنافس ويغطون أبوابها بصفائح النحاس والفضة ويعلقون في سقوفها ثريات الكريستال، رغم أن الصلاة يمكن تأديتها على الرصيف الترابي، أما العمليات الجراحية فلا.

وكثيرون بيننا ممن يملكون الإمكانيات المادية، يؤمنون صادقين بوجوب التحديث وترك التشدد والتقليد، لكنهم ينسون أن ذلك يحتاج إلى منابر، ومحطات فضائية، ومواقع على الإنترنت، ومراكز بحث ودارسين متفرغين يضعون البرامج، ودعاة تحديث ليس تأييد الغرب واحداً من أولوياتهم. أما بدون هذا كله فسيتحول الإيمان إلى أماني، وشتان ما بين الأمرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق